أسئلة عديدة يطرحها الموسم الحالي للدراما السورية، لا سيما في ظل العنف المستشري فيها، إلى جانب تعميم بعض مظاهر الخلل في المجتمع السوري وجعلها سمة درامية واضحة، من مثل الجرائم والفساد الأخلاقي، وذلك عبر التركيز على قضايا وأحداث وشخصيات في أعمال درامية لا تشجب هذه الموضوعات وتستنكرها، بقدر ما تمنحها دور البطولة، وتُجمِّلها بصورة مُبالغ فيها، فتصبح مثالاً جائراً عن مجتمع بأكمله.
مسلسلات صبَّت جلّ اهتمامها على العنف باعتباره حلاً لكل شيء، وصار فيها القتل أسهل من شربة الماء، وكأن الدراما السورية تُصفِّي بذلك أخلاقياتها التي بنت عليها شهرتها وانتشارها باعتبارها مسلسلات للعائلة وتناسب جميع أفرادها.
في المقابل، هناك أعمال ركَّزت على عوالم الملاهي الليلية، وبنات الهوى، وسماسرة الليل وتُجَّار رقيقِه، حتى تبدو الدراما مُستَعْبَدة لتلك الشريحة المجتمعية، بدل أن تسعى للتَّحرُّر من قيودها والقوانين التي تنظمها.
ليست تلك دعوة إلى تطهيرية الدراما السورية بقدر جعلها تعيد النظر برسائلها الأخلاقية التي بنت نهضتها الأساسية عليها، لعلَّها تعود إلى جادة الصواب بأعمال ملائمة للعائلة وتطرح قضايا مجتمعية ذات بعد إنساني يُنَحِّي العنف والإثارة الرخيصة، ويعزز قيماً وأخلاقيات يحتاجها مجتمعنا الآن أكثر من أي وقت مضى.
انتقادات كثيرة من هذا النوع طالت أعمال الموسم الدرامي الحالي خلال شهر رمضان المبارك، وانتشرت اتهامات على وسائل التواصل الاجتماعي لمسلسلات من مثل "ولاد بديعة"، كونه يشجع على العنف ويُجَمِّل الجريمة ومُجرميها باعتبارها إحقاقاً للحق. كما طالت تلك الانتقادات مسلسل "كسر عضم.. السراديب". إذ ما زال يُراهن على ممارسات بعض أجهزة الدولة وقبضتها الحديدية في تحقيق الاستقرار، بينما هي تؤدي إلى مزيد من العنف والجرائم.
عقلية النعامة
في سياق متصل، هناك مسلسل "الصديقات.. القطط"، الذي اتخذ من الملهى الليلي منطلقاً لأحداثه وخطوطه الدرامية، بما فيه من حيوية درامية مدغمة مع الإثارة البصرية. وحول ذلك يوضح مخرج المسلسل محمد زهير رجب في تصريح خاص بــ "الميادين الثقافية": "للأسف، مجتمعاتنا تفكر بعقلية النعامة مع أعدائها أو عند الهروب، تضع رأسها في الرمل، وتظن أن لا أحد يراها. في مسلسل الصديقات أقدّم صورة واقعية من صور المجتمع، وبأسلوب ليس خادشاً للحياء العام إطلاقاً، وأنا أتحدى من يقول غير ذلك، إذ راعيت جداً ألا أكون خادشاً مثل بعض الأعمال التي تعرض الآن، ووضعت في ذهني أنه عمل يعرض في المنازل، وأنني لا أصور سينما وإنما تلفزيون، لذلك راعيت موضوع الحفاظ على الحياء العام، وكنت مدركاً لهذه النقطة وحريصاً جداً في الحفاظ عليها".
ويضيف: "قرأت بعض التعليقات أن هذه الدراما لا تناسب أجواء رمضان"، وسأقول: "إن كنت صائماً فلماذا تتابع هذا المسلسل أو ذاك؟ ولماذا تفتح "يوتيوب" لتشاهده ما دمت تقول إنه غير مناسب؟ ودعني أوضح أن الصديقات رغم أنهن أعضاء في فرقة رقص،بيد أن رقصهن ليس خلاعياً، وحتى ملابسهن أقرب إلى الفولكلورية، ولهذه اللقطات مشابه لها في جميع مواقع التواصل الاجتماعي وفي "يوتيوب"، وأي فرد من أفراد الأسرة بما في ذلك الأطفال يتابع مشاهد مثيرة ومخلة أكثر مما عرضناه بأضعاف المرات. لكن هناك شريحة في مجتمعاتنا العربية انتهكت مواقع التواصل الاجتماعي، وتبدي آراء غير متوازنة وغير عقلانية، بناءً على ردات أفعال لحظية آنية، وأحياناً تكون مخالفة لقناعاتها، وتبدي آراء لمجرد إبداء الرأي".
رقابات كلاسيكية
وإجابةً عن سؤال هل وسائل التواصل الاجتماعي حررت الدراما السورية من بعض قيودها؟ يقول مخرج مسلسل "بروكار": "بالتأكيد، على الأقل تحررت من بعض القيود، ومن الرقابات التي تمتلك عقليات كلاسيكية تقليدية. في "يوتيوب" هناك مواد فيها تحرر وانفلات أكثر بكثير من الدراما، والجمهور يتابعها، لماذا لا نحاول جذب مشاهدنا إلى دراماتنا، حتى لا يلجأ إلى متابعة أشياء تخدش الحياء فعلاً وتهدم المجتمع على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها؟".
ويوضح رجب: "هذا المنطق كان نقطة دراسة وتفكير وأنا أشتغل على الصديقات، ووضعت في ذهني أن الرقص الفولكلوري واللباس يعرض في رمضان ضمن الكثير من الإعلانات والكليبات والأفلام، فلماذا أستثنيه من أعمالي الدرامية. وبالمناسبة، السينما العربية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات كانت متحررة في هذا الاتجاه أكثر من الآن بعشرات الأضعاف. وكانت مجتمعاتنا العربية تتقبّل الأفلام، أما ظاهرة التشدد الفكري فتكوّن مزيداً من الفراق بين المشاهد العربي وقنواته، وتدفعه لأن يلجأ إلى المحطات الأجنبية و"يوتيوب". لماذا نعزز هذا الفراق ونتعامل مع الحقائق المجتمعية بعقلية المادة المطهرة بالسبيرتو. المجتمع ليس كذلك، ومن حقي كفنان أن ألقي الضوء على ما هو موجود في المجتمع، وأشير إلى أنه "غلط"، فبالنهاية الفن مرآة للمجتمع، وقد تظهر هذه المرآة الأشياء بشكل ألطف وأجمل وأخف، وأحياناً بشكل أعنف، لكن على الدراما ألا تكون بعيدة عن مجتمعها وعن واقعها".
ويتابع: "في مسلسل الصديقات، أنا لا أقدم الرقص كحل للخلاص، ولا أقول إن الرقص هو الحل الاجتماعي الأمثل لحياة الناس، ولا هو الجانب الإيجابي لأولئك النساء، بل على العكس، أظهر أن تلك المرحلة من حياتهن كانت النقطة السوداء في تاريخ تلك المجموعة، واضطرارهن إلى الرقص ناجم عن الظروف المجتمعية القاهرة، ومع ذلك رقصن بحياء، وحاولت جاهداً ألا أكون فجاً في الطرح، رغم أنه في الملاهي الليلية هناك الكثير مما تستطيع البوح به والاشتغال عليه، ومع ذلك تحاشيت هذا الجانب، وركزت على 5 راقصات من 25 سنة أنشأن فرقة استعراضية وبعدها اعتزلن، لنتابع ظروف حياتهن الحاضرة ومشاكلهن وهمومهن".
2024-04-02 | عدد القراءات 153