– تشكل القدرة على توظيف فائض القوة في صناعة السياسة الصفة الرئيسية للقوى الفاعلة وذات القيمة الاستراتيجية العالية. ووفقاً لهذا المفهوم حاولت «إسرائيل» شنّ حروب ليس بداعي التوسع فقط بل بداعي فرض الإرادات وتظهير القدرة على مواصلة خوض الحروب. وبدأ رسم حدود الدور الإسرائيلي من اليوم الذي فقدت فيه «إسرائيل» هذه الميزة. وما يجري منذ ذلك اليوم هو دوران إسرائيلي في حلقة مفرغة لإنكار هذه الحقيقة.
– تركيا كدولة إقليمية كبرى بنت مقدراتها الاقتصادية والعسكرية على فكرة التطلع للعب دور خارج الحدود وجدت في قرار الحرب الأميركية على سورية فرصتها لصرف فائض قوتها لصناعة دورها وإثبات قيمتها الاستراتيجية العالية في لحظة بدت واشنطن عاجزة عن خوض الحرب وبدت «إسرائيل» مغلولة عن خوضها وظهرت تركيا كخيار إلزامي لا بديل عنه.
– منذ ذلك التاريخ عاشت تركيا مع نظام الأخوان المسلمين حلم العثمانية الجديدة ورغم الضربات التي تلقاها الحلم بخسارته في تونس ومصر فرص الإمساك بالحكم وتراجع القدرة على السيطرة على سورية، بقيت تركيا رهينة الرهان على تعديل المشروع ليصير حجزاً لمقعد في الصيغة المستقبلية لدول المنطقة يظهره الحضور التركي في قطر والسودان قبل سقوط نظام عمر البشير وتظهره حالياً الحركة التركية في ليبيا وبقي دائماً التلاعب التركي بما أمكن من مخرجات الحرب في سورية.
– ما نشهده من مواجهة شمال سورية يتخطى حدود كونه تعبيراً عن مراوغة تركية للتملص من موجبات التفاهمات التي فرضها مسار أستانة أو كشفاً لحقيقة الأطماع التركية في أراضي سورية ليظهر كتعبير عن مأزق القدرة التركية على الظهور كلاعب إقليمي وازن وفاعل. فتركيا التي تلعب في المشهدين الليبي والسوري لا تملك القدرة على خوض صدام مع روسيا في سورية أو مع أوروبا في ليبيا ولا تملك ظهيراً غربياً في سورية ولا ظهيراً روسياً في ليبيا. وفي مرحلة أولى بدا أن ثمة خياراً لحفظ ماء الوجه التركي بنيل ظهير روسي في ليبيا مقابل تراجع تركي في سورية، لكن كل يوم يحمل جديداً يقول إن مأزق تركيا صار مزدوجاً وإن سقف الترضيات التي قد تنالها تركيا هي الجلوس على الطاولة وليس نيل نصيب في مستقبل أي من البلدين. ويبدو أن هذا سقف ما عرضته روسيا في ليبيا حتى أظهرت تركيا هذا اللعب على حافة الهاوية وهو ما قد يفقدها حتى كل دور ما لم تستدرك قبل فوات الأوان.
– مكانة تركيا الإقليمية على المحك بسبب ربط مصير الدور الإقليمي لتركيا بمشروع خاسر هو مشروع الأخوان المسلمين.
ناصر قنديل
2020-02-28 | عدد القراءات 17841