ليس الوقت لإختبارات شعبوية في الحكومة نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
في ظروف عادية كانت الحكومات تستغرق شهورا قبل أن تبصر النور ، رغم إستقرارها على عدد الثلاثين وزيرا وما رافقه من تقاليد تمثيلية سياسيا وأعراف غير مكتوبة تطال التوازنات الطائفية والسياسية والنيابية ، ورغم إعتمادها التمثيل النسبي للكتل النيابية عموما ، وإعتمادها لتوزيع مستقر للحقائب بين الكتل وتمثيلها الطائفي ، وفجأة منذ 17 تشرين أول 2019 سادت نغمة جديدة غريبة عجيبة وبدأت تتحول الى نوع من الموضة السياسية ، ويجري تقديمها كمعيار لنجاح الحكومات ، وهي بدعة لا علاقة لها بالسياسة ، ولا بالديمقراطية ، وقد شاركت القوى السياسية التي روجت لها بتعميمها وتقديمها كحل سحري لأزمات البلد ، يعرف الجميع أنها مجرد كذبة لإستيلاد حكومة مطيعة لا حول ولا قوة لها ، تتلقى تعلمياتها من الخارج ، وينتزع لها بقوة ضغط الأزمة وما جرى تجييره من زخم الشارع ، صلاحيات تشريعية كاملة او شبه كاملة من مجلس النواب ، تحت شعار الحاجة للإصلاح .
الموضة الجديدة الشعبوية هي حكومة يتقرر نجاحها من عدد وزرائها القليل ، تحت شعار التوفير والتقشف الكاذبين ، فلا يختصر من الإنفاق مع تقليص عدد الوزراء الا راتب الوزير ، وكأن حكومة من 14 وزيرا او 18 وزيرا ستحل المشاكل وحكومة من 30 وزيرا او 24 وزيرا ستزيد المشاكل ، وفي الموضة الجديدة حكومة من خارج الوسط السياسي والنيابي ، واذا امكن ألا تكون لها علاقة بالكتل النيابية ، تحت شعار مستقلين ، قبل الحديث عن الاختصاصيين الذين يمكن ان يكونوا من تسمية الكتل النيابية والأحزاب او من خارجها ، وليس خافيا ان بدعة المستقلين هي الاسم السري لوزراء تسميهم السفارات ويتبعون تعليمات الخارج سواء في الشأن السياسي أو الشؤون المالية ، في زمن التفاوض المفتوح حول ترسيم الحدود والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وزمن الخصخصة والتفاوض على بيع أو تأجير أو إستثمار أملاك الدولة ، أما حكومة الإختصاصيين الذين تسميهم الكتل النيابية ، فالكل يعلم أنهم مجرد مستشارين عند كتلهم ، وأن القرار في كل شؤون العمل الحكومي هو قرار سياسي سيتخذه سياسيون ، سواء في الكتل النيابية أو في السفارات ، حسب هوية من يشكل الحكومة فعليا ، واذا كان مفهوما ان تدعو السفارات لحكومة مستقلين لأنها تحتاج غطاء محليا لإدراتها للحكومة فالأصيل هنا لايستطيع الحضور مباشرة ويحتاج الى وكيل يسميه ، فمن غير المفهوم الإصرار على وزراء يمثلون الكتل من غير السياسيين ، سيعودون لصاحب القرار السياسي في كل شاردة وواردة وإستبعاد الأصيل لحساب الوكيل ، خصوصا بعدما جرى الذهاب للأصيل في رئاسة الحكومة .
لا أحد يريد قول الحقيقة ، وهي أن التعقيد في تشكيل الحكومات سابقا رغم تقاليد وأعراف أرستها الحكومات الثلاثينية وتوزيع للحقائب رافقها على مدى سنوات ، وإعتماد تمثيل الكتل بأصحاب القرار فيها وهو ما كان يسهل التسميات ، سيكون تعقيدا مضاعفا عندما يجري السعي لإعتماد معايير جديدة تطبق للمرة الأولى ، وهي معايير إذا أخذناها بعين إيجابية ، يمكن إختبارها في زمن بحبوحة سياسية ومالية ، وتحمل تعقيداتها الإضافية ، فالكل يقول ليس لدينا ترف الوقت ، فهل لدينا ترف تحمل إختبار إمكانية السير بحكومة مصغرة وبلا سياسيين ، ونحن نعلم أن لبنان المكون طائفيا من توازنات يصعب الجمع بينها ، ومن تمثيل سياسي داخل الطوائف يصعب إستبعاده عن الحكومة ، وقد إستقر على صيغة حكومة موسعة كان الأمثل أن تكون من 24 وزيرا منهم 22 وزيرا من الإختصاصيين يتولون الحقائب ، ونائب رئيس ورئيس ويمكن أن يضاف إليهم ستة وزراء دولة سياسيين ، طالما ان المطلوب قرارات تحظى بأوسع إجماع سياسي وطائفي ووطني وأوسع دعم برلماني ، وأن يتم تأجيل البحث بالمداورة ضمن رؤية إصلاحية سياسية ، تبحث لاحقا في إطار الإصلاحات السياسية المطلوبة ضمن مسار تطبيق إتفاق الطائف ومواد الدستور .
الحكومة وفقا للدستور هي السلطة التنفيذية السياسية العليا في الدولة ، والسلطة في الدستور يمارسها الشعب عبر المؤسسات ، وفي نظام برلماني ديمقراطي يشكل مجلس النواب المؤسسة الأم للسيادة الشعبية ، وبين موعد إنتخابات ونيابية وأخرى لا يغير أي خطاب من حقيقة دستورية قوامها ، أن الإنطلاق من التمثيل النيابي ببعديه الطائفي والسياسي هو نقطة البداية في تشكيل أي حكومة ، وأن المحاصصة كمدخل للفساد هي في أصل النظام الطائفي وسترعاه حكومة مستقلين مصغرة كما ترعاه حكومة سياسيين موسعة ، ما لم يتم الذهاب الى تطبيق المادة 95 من الدستور لجهة الخروج من طائفية الوظيفة العامة ، والمادة 22 من الدستور لجهة إعتماد إنتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ، وإنشاء مجلس للشيوخ ، وما لم يكن لدينا قضاء مستقل وقادر وفاعل مع حكومة 14 او 30 وزيرا .