سورية الأسد بيضة القبان في توازنات المنطقة
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- أن يقال ان سورية ككيان سياسي يحمل ثقل أوزان المكانة التاريخية والمكان الجغرافي ، بيضة قبان توازنات المنطقة ، فتلك حقيقة تؤكدها الأحداث الكبرى التي عرفها العالم على الصعيد الحضاري والثقافي والسياسي والإجتماعي والفني والديني خلال أكثر من ألفي سنة ، فهي سورية التي منحت الإسلام دولته الأولى التي انطلق الى العالم منها ، وهي سورية التي منحت المسيحية كنيستها الأولى التي انطلق منها تلامذة السيد المسيح الى الغرب والشرق ، وهي سورية أبجدية أوغاريت ، وزنوبيا ملكة تدمر ، ووجهة الغزوات من المغول الى الفرنجة ، وسورية الشريك الحتمي بتحرير القدس من معركة حطين ، والشريك بذات المقدار في حرب تشرين قبل نصف قرن ، وهي سورية التي شكلت وجهة الحرب الكونية الهادفة لتغيير العالم من خلال تغييرها ، بقطع طريق المتوسط على عمالقة آسيا ، روسيا والصين وإيران ، وهي سورية التي تخرج منتصرة من هذه الحرب لتعلن تغيير العالم بصورة معكوسة ، كما انتجت شرقا أوسط جديد من رحم اسقاط مشروع انشاء مشروع شرق اوسط جديد آخر .
- الحديث اليوم هو عن سورية الخارجة من الحرب بخط سياسي حوربت ليفرض عليها تغييره ، هو الخط الذي مثله الرئيس السوري بشار الأسد ، وهو خط يقوم على التمسك بإستقلال سورية ووحدتها وتمسكها بإستعادة جولانها المحتل حتى خط الرابع من حزيران ، ودعمها لقوى المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ، ورفضها لكل الصيغ الطائفية والعرقية التي تصيب وحدة المجتمع والدولة ، وهي سورية التي إنتصرت ، ومن قبيل التوصيف السياسي الدقيق ، هي سورية الأسد ، التي كان مطلوبا تفكيكها وإسقاطها لصالح سورية أخرى ، سواء سورية التطبيع مع كيان الإحتلال كما صرح عدد من قادة جماعات الحرب ، أو سورية المقسمة الى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية ، كما جاهر دعاة إعلان الإمارات الطائفية والإدارات الذاتية العرقية ، أو سورية المتقاسمة تحت اشكال من الإنتداب الأجنبي أو الرعاية الأجنبية كما تضمنت العروض الأميركية والتركية على كل من روسيا وإيران ، وما نحن بصدده اليوم ، هو أن سورية الأسد تنتصر وتنتقل بنصرها إلى إثبات انها تستعيد لسورية التاريخ والجغرافيا مكانتها كبيضة قبان توازنات المنطقة ، بعدما قيل الكثير عن أن بمستطاع سورية الأسد أن تنتصر لكنها لن تستعيد لسورية مكانتها ، لأن استعادة هذه المكانة مشروط باعتراف الآخرين بها وبنصرها دون أن تغير سياستها ، بصفتها سورية الأسد ، بثوابتها ومواقفها المعروفة .
- أهمية زيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق وما تضمنته من اعلان نوايا واضح لترتيب العلاقات ، أنها تفتح الطريق لمسار يشمل حلفاء الإمارات العرب وفي الغرب ، وهم الحلفاء الذين قادوا وخاضوا الحرب على سورية بكل وحشيتها وعنفها والخراب الذي تسببت به ، ويتم ذلك تحت عنوان التسليم بأنها سورية الأسد ، أي سورية بثوابتها ومواقفها التي خيضت الحرب عليها لتغييرها ، و تسليم دولة الإمارات التي كانت في طليعة حلفاء واشنطن ولا تزال ، وطليعة خط التطبيع مع كيان الإحتلال ، هو أعلى مراتب التسليم ، لأن سورية التي ترحب بكل اعتراف دولي واقليمي بنصرها بما في ذلك الاعتراف الأميركي عندما تنضج واشنطن لفعل شبيه بما فعلته الإمارات ، أي العودة العلنية من باب الدبولماسية الذي تشترطه سورية لكل علاقة ، هي سورية التي تعرف ان العودة والتسليم لا يعنيان تفاهما على السياسات ، فالدول التي تتبادل السفراء والإعتراف والزيارات والإتفاقات ، لا تتطابق في السياسات ، لكنها تنطلق من الإعتراف بحتمية التساكن مع الخلافات وتنظيم ادارتها دون أوهام القدرة على فرض التغيير بالقوة او بالقطيعة او الضغوط ، وسورية لا تطلب من الآخرين أكثر من ذلك ، وسورية لا تخفي ان في طليعة ما لن يتغير فيها موقفها من التطبيع ومن موقع الجولان في ثوابتها ، ومكانة فلسطين كبوصلة لسياساتها .
- مزيد من الخطوات المقبلة ستشهدها علاقات العرب والغرب بسورية ، وربما بينها زيارات رئاسية سورية الى الخارج او زيارات رئاسية خارجية الى سورية ، وصولا للقمة العربية في الجزائر التي يفترض ان تشهد أول حضور سوري رسمي في الجامعة العربية التي شكلت أداة من أدوات الحرب على سورية ، ومع كل خطوة سيتأكد سوء طالع الذين راهنوا على اسقاط سورية ، وخصوصا الذين تطرفوا في العداء تبييضا لوجوههم عند الذين خاضوا الحرب عليها ، وهم يجدون من خاضوا الحرب يتراجعون ويرجعون اليها ، ولم يبق للمبيضين الا سواد الوجوه .
2021-11-10 | عدد القراءات 1776