عن أي نفوذ تتحدثون ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- خلال سنوات إمتلأت مراكز الدراسات الأميركية والمواقف "الإسرائيلية" والكثير من البيانات العربية ومقالات أقلام حازت مراتب كتابة مقالات الصفحات الأولى دوليا وعربيا ولبنانيا ، بعبارة النفوذ الإيراني ، وكان الهدف الإشارة الى كل حراك سياسي او عسكري او اجتماعي وثقافي واعلامي مناوئ للمشروع الأميركي وبصورة خاصة لكيان الإحتلال ، رغم محاولات حثيثة لربط إيقاع هذا الحراك بتهمة تخديم روزنامة إيرانية تتصل بالتفاوض على الملف النووي في اغلب الأحيان ،وكانت التطورات تكذب هذا الربط ، فعندما تم التوصل للإتفاق النووي عام 2015 لم يتوقف هذا الحراك بكل تجلياته ، ولا انخفض سقفه ، وبقي اصحاب هذا الحراك يقدمون أنفسهم كتعبير عن إرادة وطنية لبلادهم وقويمة لأمتهم ، عنوانها رفض التسليم بمشيئة الإحتلال الإسرائيلي ومن خلفه الحماية المفتوحة التي تقدمها المشاريع الأميركية .
- طالما ان عنوان الإشتباك الرئيسي هو كيان الإحتلال ومستقبل فلسطين ، فإن ما تقدمه فلطسين من ظواهر ووقائع هو الذي يفترض أن يحسم النقاش ، وفي فلسطين بدا بكل وضوح أن الدعم الإيراني لا يستند الى معيار الولاء لإيران ، بل العكس فإن إيران دعمت قوى يسارية وقوى إسلامية من خلفيات عقائدية مخالفة للعقيدة الإيرانية ، بخلفية واحدة هي ان هذه القوى تنخرط في مقاومة الإحتلال ، ويكفي مثالا واقع حركة حماس التي بقي جناحها العسكري الذي يتولى المقاومة في فلسطين ، يحظى بالدعم الإيراني بينما قيادتها السياسية على قطيعة مع إيران طيلة فترة الخصومة حول فهم الحرب على سورية ، التي كان تنظيم الأخوان المسلمين خلالها قد نجح بنقل موقف حماس السياسي الى ضفة مناوئي الدولة السورية ، التي اصطفت إيران الى جانبها بسبب التلاقي حول فكرة المقاومة وليس التلاقي العقائدي ، وكان معلوما ان موقف تنظيم الأخوان يصطف وراء الرئيس التركي الذي لم يخف أن موقفه يعبر عن مشروع إقليمي دولي ترعاه واشنطن ولم تكن تل أبيب بعيدة عنه .
- يمكن للبعض القول ان الحديث عن التنظيمات الحزبية يحتمل الإجتهاد والتأويل ، رغم الوقائع التي تنفي نظرية النفوذ الإيراني ، لكن ماذا عساهم يقولون أمام مشهد التكرار اليومي لحضور الشباب الفلسطيني غير المنظم ، وغير المنضوي تحت عناوين فصائلية وحزبية ، وتولي هذا الشباب خط التصادم الأول مع الإحتلال بالدم ، وبدون سلاح ، عبر عمليات طعن ودهس يومية منذ شهور ، ومن دون توقف ، ومعلوم عند كل باحث يملك الحد الأدنى من الرصانة أن الحركة السياسية عندما تكون قيادتها وخطوطها الأمامية من جيل الشباب غير المنظم ، لتشكل استدامة واستمرار ولكن بفعل فردي متتابع ، فهي أشد التعبيرات قوة عن الطابع الإجتماعي العميق لمضمون هذه الحركة ، ولا يستطيع أعتى عتاة الصهاينة اليوم أن يزعم بأن ظاهرة الشباب الفلسطيني المقاوم هي ظاهرة عابرة أو هي ظاهرة تنفذ روزنامة خارجية ، وبالمعيار البحثي نفسه لكما انخفض سن الشباب المنخرط في أعمال المقاومة ، زاد طابعها المعبر بعمق عن المجتمع ، وعندما تنجذب لها من الشباب الفئات الطلابية وليس فقط المهمشين والمنتمين الى فئات العمال صغيري السن ، يكون التعبير أقوى وأقوى ، أما عندما تجذب الحركة الإناث صغيرات السن فهذه ذروة التعبير .
- جاء حل اللغز أمس مع عملية الطعن في حي الشيخ جراح التي نفذتها فتاة فلسطينية من بنات الحي ، ومن عائلة مهددة بالتهجير ، وهي طالبة على مقاعد الدراسة ، وليست محجبة بالمناسبة ، وهي من يحمل اسم نفوذ ، لتقول لمن به صمم وعمى ، أن نفوذ كلمة سر المقاومة ، ورمز الشعب الفلسطيني ، ونفوذ فلسطينية من أبوين فلسطينيين وجدين فلسطينيين ، كابرا عن كابر حتى عمق التاريخ ، فمن يبحث عن تفسير لمصطلح نفوذ ، ها هي نفوذ ، فعن أي نفوذ تتحدثون ؟
2021-12-09 | عدد القراءات 1526