الشهر الثاني للحرب نحومسارين متعكاسين :
تماسك روسي صيني وتفكك أميركي أوروبي
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- نجح الغرب الأميركي والأوروبي برسم مسار الشهر الأول من حرب أوكرانيا ، سواء تحت عنوان تغليب الطابع الإقليمي للحرب على جوهرها الدولي ، فتقدمت بصفتها حربا روسية على أوكرانيا بهدف إحتلالها والسيطرة عليها ، أو تغليب معادلة العقوبات على معادلة التداعيات الإقتصادية خصوصا في قطاع الطاقة وتظهير المشهد على خلفية التساؤل عن قدرة موسكو على الصمود تحت وطأة العقوبات ، أو خصوصا النجاح بإستعادة مشهد التماسك الأميركي الأوروبي بعد سنوات من التصدع والتباين والشكوك ، والإنطلاق من هذا التماسك نحو العالم وخصوصا نحو الصين وإيران لمحاصرة روسيا .
- يبدأ الشهر الثاني والمشهد مختلف جذريا ، فالحرب في أوكرانيا صارت خلفية تصويرية لمشهد أوسع عنوانه مستقبل نظام العلاقات الدولية ، فيطفو على السطح مشهد الإستقطاب بين مرجعيتين دوليتين متقابلتين ، روسية صينية في ضفة ، وأميركية أوروبية على الضفة الأخرى ، ويأتي الإجتماع المشترك لوزيري خارجية روسيا والصين أمس ، والبيان الصادر عنه لجهة التأكيد على قيادة بكين وموسكو لمسار بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ، إختصارا لهوية المعركة التي يدور الشق العسكري منها في أوكرانيا ، وبالتوازي يصعد الى الواجهة البعد الإقتصادي والمالي ، المتصل بمستقبل سوق الطاقة والتعامل النقدي ومستقبل الدولار ، مع إمساك موسكو بمعادلة الغاز الروسي إلى اوروبا والتحكم بعملة الدفع ، فيما يبدأ الشهر الثاني وقد بدأت تظهر التباينات بقوة في الجبهة الأوروبية الأميركية ، وداخل الجبهة الأوروبية نفسها ، فالإيقاع مختلف لنتائج الحرب ، على أطراف الجبهة الأميركية الأوروبية ، خصوصا في ملف الحاجة للغاز الروسي ، وفي ظل الإحجام الأميركي عن التورط المباشر في الحرب ، يبدأ التفكير بحساب المصالح المتباينة تجاه قضايا وجودية بحجم مخاطر الانهيار الاقتصادي لدولة بحجم ألمانيا ، بينما يفتتح الشهر الثاني بتظهير تماسك واضح على جبهة موسكو وبكين ، ويبدو أن المسارين المتعاكسين ، التماسك الروسي الصيني والتفكك الأوروبي الأميركي ، الى مزيد من التصاعد .
- مع بدء الشهر الثاني للحرب ترسم موسكو إطار الحرب في أوكرانيا بدفع المشهد العسكري الى الخلف ، وفتح الباب واسعا لتفاوض طويل ومرير سيجري بينما ، تقع المدن الأوكرانية الكبرى تحت الحصار ، وتنتظر مواعيد وقف النار الصادرة عن الجيش الروسي ، وقد فقد الجيش الأوكراني أنيابه ، فدمرت مطاراته ودفاعاته الجوية وطائراته وغرف عملياته ، ويمكن للتهدئة الميدانية أن تفسح المجال أكثر لقوات الروسية لملاحقة شحنات السلاح الآتية عبر بولندا ، ومخازن الوقود التي تتحول الآلة العسكرية الأوكرانية الى مشهد شبيه بالآلة الألمانية في الحرب العالمية الثانية عندما هزمها الجيش السوفياتي مستفيدا من حرمانها من الوقود ، وعلى هذا الإيقاع يفاوض الروس ببرودة ، يحصلون على ورقة تتضمن نصا على حياد أوكرانيا وقبولا بالوضع الخاص للدونباس والقرم فيرحبون بها ، ثم يقولون انها غير كافية ولا تشكل اختراقا يمكن البناء عليه ، ويضبطون أيضا إيقاع التفاوض على مسار حرب الطاقة والعملات ، فيشدون الحبل ويرخونه ، لكنهم يبقون عليه حاضرا ، بسقف لا تراجع عنه اسمه ربط الغاز الروسي بالروبل ، واستعداد لمرونة تطبيقية تراعي خصوصيات الشريك التجاري الأوروبي والألماني خصوصا ، سواء بالتدرج في التطبيق أو في آليات هذا التدرج نفسه بصورة سلسة لا تشكل هزيمة كاملة لهذا الشريك التجاري ، لكنها تؤسس للمعادلة الإقتصادية والمالية الجديدة ، التي سترافق ولادة نظام دولي جديد .
- تجنبت موسكو الاستفزازات الاميركية التي نجحت بالسيطرة على الإعلام ، في الحديث عن ضعف العملية الروسية وبطئها وأحيانا فشلها ، ولم تذهب لتكرار المشهد الأميركي في غزو العراق ، الذي كان السعي الأميركي لتوريط روسيا بتكراره ، لإثبات القدرة والتفوق ، بل إن موسكو تراجعت عن مناطق سبق ودخلت إليها ، وهي تؤكد اهتمامها بتدمير القدرات العسكرية الأوكرانية أكثر من التوسع في الجغرافيا ، و التحول الى احتلال او انشاء حكم تابع لها ، فالقضية لا تزال ضبط الأداء العسكري بصفته منصة تفاوض سياسي سينضج كلما أدركت اوروبا أنها لا تتحمل تبعات المضي قدما في الوصفة الأميركية ، فتظهر نتائج هذا التبدل على المسار التفاوضي سواء في ملف الطاقة أو في الملف الأوكراني ، بعدما نجحت في احتواء الصدمة الكبرى للعقوبات ، وأعادت فتح البورصة ، وها هو الروبل كمرآة للمشهدين العسكري والسياسي يستعيد ما فقده من وزنه منذ إعلان العقوبات .
2022-03-31 | عدد القراءات 1540