روسيا والحرب ومعيار النصر

مع نهاية الشهر الأول من الحرب في أوكرانيا كان مفاجئاً أن تنتقل موسكو الى عنوان التهدئة وتثبيت المكاسب والمواقع بدلاً من مواصلة التقدم. وبدا أن الغرب يشنّ هجوما إعلامياً ودبلوماسياً عنوانه الحديث عن فشل روسي لدفع موسكو للعودة الى الهجوم، وجعل المعيار للربح والخسارة عدد المدن التي تدخل إليها القوات الروسية ومساحة الجغرافيا الأوكرانية التي تسيطر عليها، لكن الواضح ان موسكو مدركة قواعد اللعبة وتعرف ماذا تريد.

– تتفادى موسكو الوقوع في فخ النصر العسكري والجغرافي وتبني خطتها العسكرية على معيار النصر السياسي، وقد حقق الشهر الأول لروسيا فتح كل الحدود مع أوكرانيا كخطوط اشتباك وبنت على الأرض الأوكرانية رؤوس جسور وازنة، وحققت حصار المدن الكبرى، وقطعت الطرق الدولية، ودمّرت البنية التحتية العسكرية الأوكرانية من مطارات ودفاع جوي ومستودعات وقود وسلاح وذخيرة، وفرضت سيطرة على الحركة عبر الحدود البولندية لاستهداف أية شحنات دعم جديدة، وتواصل بالصواريخ البعيدة تدمير كل ما يمكن أن يغير وجهة الحرب وتوازناتها، مع تفادي أية نقاط احتكاك ممكنة مع الوحدات الأوكرانية تحول الزمن الى مصدر استنزاف عسكري للجيش الروسي، عبر التموضع في نقاط استراتيجية محصنة، وهي تدفع أوكرانيا لليأس من الانتظار، لأن لا شيء سيتحسن بالنسبة لأوكرانيا، بينما كثير من الأشياء ستزداد سوءاً، فنفاد الوقود وحده يكفي كمثال على الشلل الذي يسببه للحياة العسكرية والمدنية.

– فتحت موسكو كوة واسعة في جدار التفاوض عبر الوثيقة الخطية التي قدمها الأوكرانيون، والتي تنص على قواعد صالحة للانطلاق في مسار طويل لإنضاج حل يعني عملياً استسلام أوكرانيا دون احتلالها، أي بعكس نموذج أفغانستان والعراق مع أميركا. فقد سلمت كييف بالحياد وسلمت بالوضع الخاص للدونباس والقرم، وبقي رسم تفاصيل هذين المبدأين اللذين يشكلان عنوان التغيير الذي تريده موسكو معيار رسم خرائط أوروبا الجديدة.

– احتوت موسكو العقوبات وامسكت بطرف الخيط للضغط على العنق الأوروبي بمعادلة الغاز والنفط، والمعيار لم يعد ما يسرّبه الأميركيون والأوروبيون عبر الإعلام عن مشاكل روسية وتقدم أوكراني. فالسوق صارت هي مرآة الربح والخسارة، سعر الروبل من جهة وسعر النفط والغاز من جهة، فكلما ارتفع سعر الروبل كان المعنى أن أميركا تخسر وروسيا تربح، وكلما ارتفع سعر النفط والغاز كان العلامة على أن روسيا تتقدّم والغرب يتراجع.

التعليق السياسي

2022-04-02 | عدد القراءات 1314