بين فرنسا ولبنان وتغيير الهوية الثقافية ؟ كتب ناصر قنديل

بين فرنسا ولبنان وتغيير الهوية الثقافية ؟

كتب ناصر قنديل

- تجمع الزمالة بين شعاري  نزع سلاح حزب الله والتحذير من خطورة التغيير الذي يتهدد الثقافة اللبنانية أو الهوية الثقافية للبنانيين من قبل حزب الله ، في برامج جمعيات المجتمع المدني والقوات اللبنانية والكتائب وبعض بقايا 14 آذار ، ويستحق مصطلح خطر التغيير الثقافي التدقيق والإستكشاف والنقاش ، إذا لم يكن مجرد رغوة صابون في حمامات ساخنة مترفة عنصرية لا علاقة لها بالثقافة ولا بالسياسة .

- وفقا لأصحاب النظرية المقصود بالتغيير الثقافي ، هو النمط الإسلامي للعيش الذي يجمع المتدينين المسلمين قبل حزب الله ومعه وبعده ، فالحديث عن ثقافة التبولة والكبة النية موضع شراكة متميزة من جماعة حزب الله وبيئتهم بكفاءات ومهارات عالية وتذوق استثنائي ، كما تقول فواتير بيع اللحم والخضروات واستهلاكها في مطاعم مناطق يتركز وجود حزب الله فيها ، ويبقى الفارق بالحديث الموازي عن ثنائية الحجاب والكحول ، ويضيف إليها البعض فلسفة الديكولتيه تعبيرا عن عمقه الثقافي ، وتميزه بالدقة .

- في الحقيقة كان لهذا النقاش من معنى إذا كان حزب الله يفرض أو يسعى لفرض أو ثمة مؤشرات على نيته بأن يفرض ، خصوصيات حياة المسلمين المتدينين ، على المسلمين غير المتدينين ، وغير المسلمين ، سواء كان هذا الفرض بالإكراه أو بالإحراج أو بالتصريح او بالتلميح ، وهنا تكفي نظرة على مناطق الضاحية الجنوبية كبيئة ديمغرافية يعيش الحزب في كنفها ، لمقارنة الضوابط الإجتماعية المحيطة بنمط السلوك الإجتماعي ، قبل ظهور حزب الله وبعده ، للقول إن المسلمين المتدينين قد زادوا عددا وحضورا ، و رغم حجم زيادة تأثيرهم في نمط سلوك سواهم من المسلمين غير المتدينين وغير المسلمين ، فلم يتزايد تاثيرهم بحجم تزايدهم ، فظاهرة الحجاب تتساكن مع غير المحجبات ، والديكولتيه ضمنا ، سلميا وبالتراضي في ذات المنطقة وفي ذات العائلات والمنازل أحيانا كثيرة ، وحدود التعامل مع ظاهرة الكحول ببعدها الاجتماعي لم تسجل تغييرا بين مرحلتي ما قبل وما بعد ظهور حزب الله ، بالقياس لكل المناطق ذات الأغلبية الإسلامية كطرابلس على سبيل المثال ، بحيث تصير إثارتها باعتبارها عنوانا لهوية ثقافية لبنانية ، إنكارا لمفهوم الشراكة في إنتاج معايير الهوية الثقافية بين المسلمين والمسيحيين ، وتعبيرا عن عنصرية مقيتة لا صلة بالحضارة ولا بالثقافة .

- يكفي أن نستمع لما يقوله المرشح الرئاسي الفرنسي ايمانويل ماكرون في رده على منافسته ماري لوبان حول قضية الحجاب لنعرف ماهية الذين يتحدثون عن الهوية الثقافية والقلق عليها في لبنان ، وصولا لفهم معنى تراجع لوبان عن شعارها ، حيث يقول ماكرون ان الهوية الثقافية لفرنسا ، لننتبه ان الحديث عن فرنسا حيث المسلمون مهاجرون وافدون وليسوا سكانا أصليين ، هي هوية التعدد والشراكة وهذا هو مفهوم الديمقراطية الإجتماعية والثقافية ، وأنه لا توجد دولة في العالم تحظر الحجاب فهل تريدون لفرنسا أن تكون أول دولة في العالم تفعل ذلك ؟ ويجيب ان ذلك لا يعني قطعا حماية الثقافة الفرنسية ولا الهوية الثقافية الفرنسية ، بل إنتقال فرنسا من ثقافة التعدد والديمقراطية إلى ثقافة العنصرية !

- هذا في فرنسا وماذا عن لبنان ، في لبنان الذين يتحدثون عن القلق من تغيير الهوية الثقافية للبنان هم الخطر الحقيقي على هذه الهوية الثقافية القائمة على تبادل القبول بالآخر بخصوصياته ، واعتبار التنوع والتعدد تعبيرا عن مفهوم الشراكة ، والتصالح على عدم سعي أي مجموعة على فرض نمط عيشها وسلوكها على مجموعة أخرى ، واعتبار مجموع هذه الأنماط تعبيرا عن الغنى الثقافي للهوية اللبنانية ، وما يقوله هؤلاء العنصريون هو محاولة إرهاب ثقافي لفرض نمط سلوك يخصهم ، وهو ليس نمط سلوك المسيحيين مجتمعين ، فبين المسيحيين هناك من يرفض ما يعتبرونه عناوين سلوكية يريدون بالإكراه تسميتها بالهوية الثقافية اللبنانية  !

2022-04-20 | عدد القراءات 1377