ماذا أنتج التفاهم السعودي الايراني وماذا سينتج الاتفاق النووي ؟
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- شهد العالم خلال عامين تفجر تحولات كبرى كانت مقدماتها تتراكم خلال عقد كامل، كان أبرزها الانسحاب الأميركي من أفغانستان وما رافقه من إعلان أميركي عن فشل الرهان على الحرب كأداة لتغيير الأنظمة، وما تلاه من شعور عام بين حلفاء واشنطن بالقلق والخيبة والإحباط، بعد تطورات في المنطقة رافقت الحرب على سورية والحرب على اليمن، كشفت أن واشنطن ليست بوارد التورط بحرب كرمى لعيون أي من حلفائها، وتوج هذا المناخ من خلال انعطافة واضحة لدى حليفين كبيرين لواشنطن في المنطقة هما تركيا والسعودية، ترجمها اتخاذ أنقرة والرياض توجهات واضحة للتمايز وبناء سياسات مستقلة، تتقاطع مع واشنطن في نقاط وتعارضها في نقاط، ومثلما كانت معركة حلب في الحرب على سورية هي المحطة الفاصلة لتركيا في هذا الانعطاف، كان تعرض منشآت أرامكو في السعودية للاستهداف في سياق تداعيات الحرب على اليمن، نقطة التحول الموازية بالنسبة للسعودية، في وجاءت حرب أوكرانيا وما رافقها من قرارات غربية بقيادة أميركية بفرض عقوبات مشددة على روسيا، ومن ظهور معادلات جديدة في سوق الطاقة بعد توقف سلاسل التوريد الروسية إلى أوروبا، كي تتقدم السعودية المشهدين الدولي والإقليمي، وترسم سياسات جديدة عبرت عن ذاتها برفض المشاركة في العقوبات على روسيا والتمسك بالتعاون معها في تنسيق سياسات الطاقة عبر شراكتهما ضمن أوبك بلاس، وصولا للتلاقي الاستراتيجي مع الصين الذي توجته قمم ثلاث شهدتها الرياض، ليأت الاتفاق السعودي الايراني برعاية وشراكة صينية ذروة التعبير عن هذا المسار السعودي الجديد.
- رغم كل هذا السياق لولادة التفاهم السعودي الايراني، امتنع حلفاء إيران وفي مقدمتهم قوى المقاومة من البناء عليه كعامل تأثير على المعادلة اللبنانية الداخلية، خصوصا في الملف الرئاسي، وبقي شعارهم الدعوة للحوار والتوافق رغم تبنيهم لترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، بينما ذهب خصوم المقاومة الى قراءة توقعات لبنانية عن هذا التفاهم تقول بأن من نتائجه المرتقبة قيام إيران بالضغط على حزب الله للتراجع عن خياراته الرئاسية، وبنوا ذلك على قاعدة قراءة للتفاهم بصفته تعبيرا عن خطر انهيار إيراني وشيك تمثل فيه السعودية خشبة خلاص ماليا، على إيران تسديد فواتير الحصول عليها من حساب حلفاء إيران في لبنان وسورية واليمن، وجاءت التطورات في سورية تقول بأن السعودية تخلت عن شرطها السابق لعلاقة طبيعية مع سورية والمتمثل بقطع علاقتها الخاصة بايران وقوى المقاومة وفي طليعتهم حزب الله، لتقود السعودية العرب نحو علاقة متميزة وليس فقط طبيعية مع سورية، بينما علاقة سورية مع إيران وقوى المقاومة تتعزز، وكانت مرزية زيارة الرئيس الايراني السيد ابراهيم رئيسي الى دمشق والقمة التي عقدها مع الرئيس السوري بشار الأسد ذات مغزى ورمزية عالية، وجاءت التطورات في اليمن لتظهر المكانة المميزة لأنصار الله في التعامل السعودي مع ملف اليمن، لدرجة أثارت حفيظة من كانوا يعتقدون انهم بوابة اي علاقة سعودية باليمن، وفي لبنان ترجمت السعودية موقفها الجديد بازالة الفيتو الذي كانت قد اعلنته على رتشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وبدلا من أن يقوم اصحاب الرهانات الخاطئة بمراجعة حساباتهم بدأوا يتحدثون عن انتظار العودة الى الاتفاق النووي والتفاهم الأميركي الايراني.
- يقول هؤلاء المراهنون ان الاتفاق النووي الجديد يأتي بقوة الأسباب التي تحدثوا عنها في العلاقة السعودية الإيرانية وثبت سقوطها وفشل البناء عليها، اي ان ايران بحاجة الى الاموال وسوف تسدد من حساب حلفائها في لبنان وسورية وفلسطين ثمن الحصول على هذه الأموال، بينما كل الوقائع تقول أن الاتفاق النووي الجزئي او الكامل يأتي في سياق الادراك الأميركي بأن المنطقة تنزلق من بين أيديهم، بعد فشلهم في إعادة ضبط أداء الحلفاء السابقين وفي مقدمتهم السعودية، وأن واشنطن وجدت نفسها أمام حرب فاشلة في أوكرانيا لن تتأخر نتائج الفشل فيها بالظهور، وان كيان الإحتلال المأزوم عاجز عن تحمل مخاطر اندلاع حرب، وان واشنطن عاجزة عن تقديم الإسناد الذي قد يحتاجه في مثل هذه الحرب، وان الحفاظ على الاستقرار في المنطقة بصفتها المورد الأول للطاقة بعد توقف سلاسل التوريد الروسية الى أوروبا، أسباب كافية للمسارعة إلى الانخراط مع إيران بتفاهم الممكن، وتخفيض سقف المطالب السابقة، وصولا الى الاستعداد للتفكير الجدي بالانسحاب من سورية بدلا من مطالبة إيران بفعل ذلك، قبل أن يسبقهم الأتراك ويجدون أنفسهم أمام حالة حرب لا قدرة لهم على المخاطرة بالتورط فيها، وهذا يعني أن سقف ما يمكن للأميركيين فعله هو ما فعلوه بمواكبة خيار التقاطع على ترشيح جهاد أزعور قبل الانخراط مع إيران عبر تفاهمات جديدة، وقد انتهى الأمر كما انتهت حرب غزة الاخيرة التي راهنوا عليها لضرب حركة الحهاد الاسلامي بالفشل.
- الذين يجب أن يعتبروا الاتفاق السعودي الإيراني بالشروط التي ترجم من خلالها، والعلاقة السورية السعودية بالسياقات التي رافقتها وترافقها، والاتفاق النووي إذا تم وفي السياق الذي يمكن أن يتم من خلالها، عناصر قوة لهم، يبنون عليها سياساتهم، لم يفعلوا ذلك، وقالوا للآخرين تعالوا نتفاهم لأن تفاهمنا الداخلي هو الذي يمكن البناء عليه، أما الذين يفترض بهم أن يشخوا الرياح الجديدة في العالم والمنطقة، فلا زالوا يعيشون في مكان آخر ويخترعون لأنفسهم أوهاما يسمونها تحليلات يبنون عليها أحلاما لا تلبث الأيام أن تكذبها، وهذا يقول انه غدا عندما يتم التوصل الى الاتفاق النووي، إذا تم، ويرون أن نتائجه ليست كما توقعوا، سوف ينتقلون الى رهان آخر، لأنهم أصحاب الرهانات الخاطئة، فهل ننسى كم بنوا من أحلام على سقوط سورية، وكم حددوا مواعيد لسقوط رئيسها، وربط بعضهم مستقبل شاربيه بهذا الرهان!
- فالج لا تعالج!
2023-06-27 | عدد القراءات 412