هل تذهب المنطقة إلى الحرب الكبرى؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

هل تذهب المنطقة إلى الحرب الكبرى؟

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- كثيرة هي التحليلات التي تتدفق هذين اليومين للحديث عن فرضية حرب كبرى قادمة، وبالطبع مصدر هذه التحليلات ليس الاعتقاد بأن محور المقاومة يريد الذهاب الى هذه الحرب، بل العكس الاستناد الى ان محور المقاومة أعلن انه لايريد الذهاب الى حرب كبرى، وتبنى التحليلات على فرضية قوامها أن أميركا واسرائيل سوف تذهبان اليها، وانهما تملكان قدرة حسمها، ويرافق هذه التحليلات استخفاف مبالغ به بقدرة قوى المقاومة على إلحاق الأذى بكيان الاحتلال والقواعد والمصالح الأميركية في المنطقة، وقد جاءت عملية المقاومة العراقية التي اسقطت لأول مرة منذ عملية طوفان الأقصى قتلى أميركيين، لتشكل مدخل الحديث عن الحرب القادمة، التي يفترض وفق أصحابها أنها سوف تستهدف لبنان وسورية والعراق واليمن وصولا الى ايران.

- إذا كان كل ما لدى قوى المقاومة وايران من قدرات عسكرية تهدد بإلحاق أذى جسيم بكيان الاحتلال والقواعد الأميركية ومصادر وخطوط امداد الطاقة، غير كاف لاقناع هؤلاء بأن الحرب ليست كما يتخيلون، يصبح النقاش معنيا بسلوك طريق آخر، عبر تثبيت مقولة أولى هي أن الحرب التي يتحدثون عنها كي تحدث لا يمكن أن تكون اسرائيلية فقط، لأن "إسرائيل" لا تملك مقدرات وقرار الحرب وحدها، وقد باتت تعتمد في كل شيء على الأميركي وخصوصا ذخائر الحرب من قذائف ال155 ملم الى صواريخ الباتريوت وقنابل الطائرات وقذائف مدفعية الدبابات كما تقول صفقات الذخائر التي تتلقاها عبر جسر جوي اميركي منذ بدء هذه الحرب قبل 115 يوما.

- الحديث إذا عن قرار اميركي بالحرب ضد إيران وقوى المقاومة، وكي يكون حديث الحرب منطقيا لا بد له أولا أن ينطلق من أنه لابد من ان يستهدف ايران كي ينجح بتحقيق أهدافه أو أن يضع في حسابه امتداد الحرب إلى إيران، طالما أن الحرب تريد تغيير توازنات المنطقة المتعاظمة منذ حرب تموز 2006 الأميركية الاسرائيلية الفاشلة على المقاومة، ولا بد للحديث عن الحرب ثانيا من الانطلاق من معرفة حقيقة أن أسوأ ظروف حرب يمكن لأميركا التفكير بأن تخوضها ضد قوى المقاومة هي اللحظة التي يكون عنوانها نصرة محور المقاومة الى جانب غزة ونصرة أميركا لإسرائيل، وقد سبق لأميركا أن حذرت "اسرائيل" من عدم التدخل عندما خاضت حربا في المنطقة ضد العراق، واعتبرت عدم تدخل "اسرائيل" شرطا من شروط تحقيق النصر، لأن التعاطف الشعبي العربي الذي يضغط على الحكومات، تتغير موازينه عندما تكون أميركا في وضعية التماهي مع "إسرائيل"، ويبدو الطرف المستهدف مدافعا عن فلسطين.

- الحديث عن الحرب يستدعي ثالثا التذكير بأن قرارا بهذا الحجم لا يأتي رد فعل على تسلسل أحداث، ما لم يكن ضمن استراتيجية مدروسة، وفقا لقراءة شبكة المصالح وحسابات الموازين والأهداف والأرباح والخسائر، ولذلك يجب ان نستعيد في الذاكرة محطات تنطبق عليها لحظة مناسبة وظرف مناسب ومحيط مناسب لخوض الحرب، ورؤية كيفية التصرف الأمريكي لمعرفة تقدير الموقف الاستراتيجي الأميركي، لأن عداء إيران وقوى المقاومة للسياسات الأميركية ليس اكتشافا حديثا، وساحات المواجهة بين سياسات أميركية هجومية نوعية واستراتيجية من جهة وقوى المقاومة من جهة مقابلة، ليست جديدة، ويكفي التذكير بالحرب على سورية كأكبر مثال على التصادم الدموي بين السياسات الأميركية وقوى المقاومة ومعها إيران، وقد كانت أميركا على درجة من الانخراط الحيوي الهجومي في هذه الحرب الى حد ان رئيسها كان صبح ومساء يطلق تصريحات عن سورية، ويبشر بأن أيام رئيسها معدودة، بينما إيران وقوى المقاومة يقاتلون إلى جانب سورية ورئيسها ويبذلون الدماء بلا حساب.

- كان الموقف العربي الرسمي جاهزا لتقديم غطاء كامل لغزوة اميركية لسورية بل ان العرب سعوا عبر وفد رسمي لوزراء الخارجية لإقناع أمريكا بغزو سورية واغرائها بعوائد الغزو، وكانت تركيا ودول إسلامية كثيرة معبأة على أساس مذهبي ضد إيران، أشد حماسا للغزو، وكانت تشكيلات المتطرفين الإسلاميين من تنظيم القاعدة والأخوان المسلمين تقاتل في سورية ضد قوى المقاومة، لا بل ان حركة حماس التي تدور حرب المقاومة اليوم تحت عنوان نصرتها، كانت قد غادرت سورية وانضمت الى جبهة المواجهة معها، وقبل ان تتموضع روسيا عام 2015 وبعد هذا التموضع، مرت في الحرب فرص ولحظات كان قرار التدخل العسكري على طاولة الرئيس الأميركي في عهود عدد من الرؤساء الأميركيين من باراك أوباما الى دونالد ترامب الى جو بايدن، ولم يتخذ قرار الحرب، الذي كان سيجري تقديمه بهزيمة "مشروع إيران الشيعي لحساب الغالبية الإسلامية السنية في المنطقة"، كما قال وزير خارجية قطر السابق حمد بن جاسم مخاطبا ممثل روسيا في مجلس الأمن الدولي الراحل فيتالي تشوركين، مهددا بأن "وقوف بلاده ضد التدخل العسكري في سورية يعني خسارة روسيا للعرب و غالبية المسلمين السنة"، لكن واشنطن لم تقم بشن الحرب ورفضت كل هذه الفرص، وعندما جاءت بالأساطيل لشن الحرب لم تتأخر عن سحبها طلبا جائزة ترضية بحجم تفكيك السلاح الكيميائي السوري، قالت لاحقا نها بلا قيمة، ويوم سئل باراك اوباما اثناء زيارة لتل أبيب عن سبب عدم تكرار نموذج ليبيا في سورية اجاب ان السبب هو القلق من حجم الثمن الذي سوف تدفعه اسرائيل والذي يهددها وجوديا.

- اذا لم تكن الحرب على سورية بكل ما فيها من فرص لتظهير قرار الحرب إذا كانت حساباته راجحة، مجالا لترجمة هذا القرار الاستراتيجي، فإن أضعف الإيمان اثبات أن أميركا غير مردوعة ولا تخشى الحرب مع ايران ان لم تكن جاهزة للذهاب اليها، وقد كانت امام اميركا فرص ذهبية لتحقيق أرباح ومكاسب استراتيجية فقط بمجرد المخاطرة بإغضاب إيران، وقد كان أهمها عندما أعلنت كردستان العراق الانفصال استنادا الى استفتاء منصوص عليه في الدستور العراقي ويملك الشرعية الدستورية، وكان ما يحتاجه حكام كردستان العراق الحلفاء لأميركا وإسرائيل"، هو الاعتراف بدولة الانفصال، بعدما اعتقدوا أن هذا الاعتراف تحصيل حاصل، طالما أن واشنطن تتحدى تركيا المعترض الرئيسي على نشوء دولة كردية، من أجل جماعة هامشية من الأكراد في سورية، فكيف عندما تكون الفرصة لدولة من عدة ملايين من السكان وعشرات آلاف المقاتلين المتمرسين في جبال وعرة ويملكون موارد اقتصادية كافية، وكما يقول مسعود البارزاني أن آخر ما كان يتوقعه هو ان يتبلغ من الجنرال ماكماستر مستشار الأمن القومي الأميركي أن بلاده لاتريد حربا مع ايران، ليسارع البارزاني للاتصال بالقيادي الشهيد قاسم سليماني معلنا التراجع عن الانفصال للتوسط لوقف زحف الحشد الشعبي نحو كردستان.

- بين اميركا وايران مرت حوادث كثيرة في سنوات مضت، منها حدث مع الرئيس ترامب عندما اسقطت ايران الطائرة التجسسية الأميركية العملاقة، لكن أهمها ما كان عندما اتصل حكام الخليج وخصوصا في السعودية عام 2019 يطلبون المعونة بالتصدي لأنصار الله بعد مهاجمتهم مجمع أرامكو، ولعل ما كتبه توماس فريدمان صاحب عمود النيويورك تاميز كاف لاختصار المشهد يومها، حيث يعلق فريدمان ساخرا: "كان حماما باردا تلقاه السعوديون الذين اتصلوا بواشنطن لمناقشة ما تخطط له الولايات المتحدة من رد استراتيجي، ليكتشفوا أن الرئيس ترامب كان مشغولا في البحث عن رقم الهاتف النقال للرئيس الإيراني حسن روحاني، والبحث إن كان هذا مستعدا لعقد صفقة معه"، بعدما قال واصفا ماجرى "لم يكن هذا العمل الجريء ليحدث بطريقة أفضل من هذه؛ لأنه أدى إلى حالة من الهلع في العواصم العربية وإسرائيل، وأدى إلى ارتفاع الصوت تسمعه دائما عندما تخطئ الطريق من المساعد الآلي (إعادة حساب، إعادة حساب، إعادة حساب)، فكل دولة في الشرق الأوسط تقوم بإعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية بدءا من إسرائيل".

- الذين يعتقدون أن أمريكا تريد حربا على ايران وقوى المقاومة وتنتظر الفرصة مخطئون، والذي يعتقد أن سياق الأحداث يمكن أن يدفع بواشنطن للغضب واتخاذ قرار حرب بلا حساب للموازين والمصالح واهم وتحكمه التمنيات أو المخاوف، وهما أسوأ موجه للسياسة، والأميركيون سوف يردون على عملية استهداف جنودهم كما ردت المقاومة على اغتيال الشيخ صالح العاروري والقيادي وسام الطويل، فعندما يكون القرار الاستراتيجي هو عدم الذهاب الى الحرب تأتي الردود قوية وقاسية لكن تحت سقف هذا القرار.

 

2024-01-30 | عدد القراءات 99