المغامرة الكردية بين سورية والعراق نقاط على الحروف ناصر قنديل

المغامرة الكردية بين سورية والعراق

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- لا يفوت القيادات الكردية التي تتولى زمام أمور جماعات مسلحة انفصالية في سورية والعراق، الانتباه إلى أن ما يسمى بالمشروع الكردي ممنوع من الصرف حيث لا ينال الرضى الأميركي والدعم الإسرائيلي، وأن هذين لا يحظى بهما "المشروع الكردي" في تركيا حيث الوجود الحقيقي لمقومات قضية كردية، باعتراف القيادات الكردية التي أرخت لنشأة القضية باعتبارها امتداد لهجرات كردية متلاحقة من الوطن الأم في تركيا بفعل اضطهاد متماد على طول قرون، ترتب عليه انتشار تعزز مع الزمن والأجيال المتعاقبة في دول الجوار التركي، والنزوح الكردي، حيث إن الجماعات الكردية رغم مرور تصادمات بينها وبين البيئة العربية الحاضنة في بعض الحالات، تعترف بأن السمة الغالبة كانت التساكن السلمي، رغم المزاحمة التي يمثلها الأكراد الوافدون على المراعي وموارد المياه وبعض المهن، وبالرغم من وجود تاريخي لجماعات كردية في سورية والعراق وإيران، يبقى ان الهجرات الكردية هربا من الاضطهاد التركي حولت هذا الوجود الى جاليات ثم جماعات حتى صار أخيرا قضية.

- تحت العباءة الأميركية والعين الاسرائيلية تتحرك الجامعات الكردية المسلحة في العراق وسورية، ولعل تجربة الانفصال التي خاضها أكراد العراق بعد استفتاء دستوري صوتوا فيه لصالح الاستقلال، قد قالت للقيادات الكردية أن واشنطن وتل أبيب تريد الأكراد جماعات ارباك وشغب في قلب الكيانات الوطنية للعراق وسورية، ولا تريدهم اصحاب دولة مستقلة، ربما كي لا تنزعج تركيا، ولا تغضب ايران، رغم التحريض الأميركي والاسرائيلي للجماعات الكردية على ارباك ايران والانخراط في مؤامرات ضد أمنها، بحيث بدا أن السقف الأميركي للدور الكردي هو الاستخدام الأمني، لا الدعم السياسي لمشروع كردي، وهذا التوصيف استخدمه مسعود البارزاني في شرح الموقف لجماعته عقب ما تبلغه من مستشار الأمن القومي الأميركي الجنرال هربرت ماكماستر، من اعتذار واشنطن عن الاعتراف بالكيان الكردي الوليد من رحم استفتاء الانفصال عن العراق، رغم تعهدات أربيل بالانخراط في أي مشاريع ترضي واشنطن إقليميا بما فيها تقديم كيانهم وجغرافيتهم قاعدة للحرب ضد إيران.

- في سورية استغلت جماعات قوات قسد الحرب التي قادتها وخططت لها واشنطن ضد سورية، والتي استثمرت على توظيف كل الجامعات صاحبة التطلعات السلطوية والانفصالية في البيئات السورية، والتي كان أهمها الجماعات الكردية وجماعة الإخوان المسلمين، ولم تتردد جماعات قسد بمهاجمة مراكز الدولة السورية والسيطرة عليها، وتأسيس قوات مستقلة ومؤسسات ادارة محلية، ولم تصل لاعلان دولة ليس تعففا بل لأنها من جهة تستفيد من دعم الدولة المركزية في سورية للطبابة والحبوب والتعليم والكهرباء ومواصلتها تسديد قيم الرواتب في مؤسسات الدولة العاملة في المناطق التي استولت عليها قسد، ومن جهة مقابلة لأنها تدرك أن إعلان الدولة يستدعي جملة شروط أهمها بيئة دولية واقليمية مستعدة بالتعامل مع دولة كردية، واول المعنيين واشنطن، التي قالت لقسد ما قالته للبرزاني، واستخلص منه مقولة الدور الكردي نطاقه عند واشنطن هو الاستخدام الأمني لا الدعم السياسي لمشروع كردي، وارتضت قسد هذا الدور الوظيفي، وهي تمعن في تخريب علاقات تساكن تاريخية بين العرب والأكراد، كان آخر تجلياتها الحرب التي خاضتها ضد العشائر العربية، وفازت بها بدعم اميركي مباشر.

- في كل مرة كانت واشنطن تدرس خيار سحب قواتها من العراق وسورية، كانت أول الأصوات المعارضة تخرج من الجماعات الكردية، وتشارك جماعات قسد مع قادة القوات الأميركية في عائدات نهب النفط السوري ليس سرا، فهناك اقتصاد مافيوي يدير قرابة خمسة مليارات دولار اميركي سنويا يتوزعها كبار القادة في الجيش الأميركي مع عدد من الضباط الأتراك الذين يشاركون في بيع النفط المنهوب، وكبار قادة كردستان العراق الذين يتولون تخزين وتأمين عبور النفط المنهوب الى تركيا، وهذا الاقتصاد السياسي للاحتلال والانفصال كان يحضر كل مرة يطرح فيها الانسحاب الأميركي على الطاولة، و كلما ارتفعت الأصوات في واشنطن تتحدث بجدية عن الانسحاب، كانت القيادات الكردية تهرول الى دمشق وتفتح التفاوض حول صيغ المصالحة، لكنها تسارع إلى الفرار لمجرد الاطمئنان أن موجة الانسحاب قد تراجعت.

- هذه المرة يبدو الأمر مختلفا، حيث تخوض قوى المقاومة في المنطقة حربا لإخراج القوات الأميركية من سورية والعراق، ومرة أخرى تظهر الجماعات الكردية كدرع بشري للاستخدام الأمني، حيث يزرع الأميركي قواعده بين السكان الأكراد ويحتمي بهم، ويستدعي المسلحين الأكراد لتولي مهام الحراسة الظاهرة المعرضة لتلقي الضربات، بينما يحتمي جنوده في تحصينات تحميهم من الاستهدافات، وسقوط خمسة قتلى من قسد في داخل قاعدة أمريكية عسكرية بفعل استهدافها بطائرة مسيرة من القمامة، هو بداية تحمل رسالة ذات مغزى يجب أن تقرأها الجماعات الكردية، وتقرر هل تقامر بمستقبل وجودها في الوسط العربي، لتخوض معركة قوات اجنبية سوف تنسحب حتما مهما طال الزمن؟

- يبدو أن الجماعات الكردية في العراق أشد رشدا من الجماعات الكردية في سورية، رغم أن لديها ما يشجعها على المغامرة، ورغم ارتكابها لبعض المخاطرات غير المحسوبة، أما الجماعات الكردية في سورية فتقترب من لحظة المخاطرة الكبرى وكسر الجرة، بعدما تجاوزت حافة الهاوية.

 

2024-02-05 | عدد القراءات 78