سؤالان يختصران الجواب عن الغارات الأميركية نقاط على الحروف ناصر قنديل

سؤالان يختصران الجواب عن الغارات الأميركية

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- تكثر التحليلات والتقييمات التي يصدرها من تطلق عليهم القنوات الفضائية لقب الخبير بالشؤون الاستراتيجية، والتي تتحدث عن القيمة الاستراتيجية للغارات الأميركية على العراق وسورية واليمن، بما لا يجرؤ المسؤولون الأميركيون أنفسهم على ادعائه، إذ يتحدث "خبير" عن بعد رادع في مجيء قاذفات من امريكا وهي في طيران دون توقف وتزودها بالوقود في الجو، كعلامة دالة لها رمزية كبيرة، ويضيف إليها "خبير" آخر أن هذه الطائرات مجهزة لحمل رؤوس نووية، كعلامة إضافية، ويتوقف "خبير" ثالث أمام ما يسميه ضرب البنى التحتية لقوى المقاومة.

- في تقييم الغارات لا تحتسب الخسائر القابلة للتعويض أو التحمل، حيث أن غزة خسرت قرابة المائة ألف من أبنائها وبناتها بين شهيد وجريح ولا تزال منتصرة، لأن جيش الاحتلال لم يستطع بالقتل والتدمير أن يحل معضلة الأسرى، ولا معضلة التخلص من المقاومة، وهما المهمتان اللتان خرج للحرب من أجلهما، وكانت وظيفة القتل والتدمير إيجاد آليات ضغط على المقاومة للتراجع أمامه، وطالما أن هذا التراجع لم يحدث فهو مهزوم ويخسر الحرب.

- المقاومة في العراق وسوريا واليمن قدمت شهداء وجرحى بسبب الغارات الأميركية لكنها لم تغير من قرارها بالبقاء جبهات إسناد لغزة ومقاومتها وشعبها، وترجمت ذلك بمواصلة تحركاتها التي كانت قبل الغارات لتمثيل هذا الإسناد، فاستمر اليمن بفرض اجراءاته على السفن التي تعبر البحر الأحمر، واستمرت المقاومة العراقية باستهداف القواعد الأميركية في سورية والعراق، ومعيار النجاح بضرب البنى التحتية لا يقوله الخبراء بل الوقائع العملية، فما دامت المقاومة مستمرة بفعل ما كانت تفعل فهذا يعني أن الغارات فشلت في تغيير الإرادة وفشلت في ضرب القدرة.

- ثمة سؤالان يشكل الجواب عليهما تحديدا لمدى القيمة الاستراتيجية للدولة العظمى التي تمثلها أمريكا و القيمة العسكرية لقاذفاتها الاستراتيجية التي تطير بدون توقف و تتزود بالوقود في الجو وتحمل رؤوسا نووية، السؤال الأول هو هل تستطيع واشنطن أن تطمئن السفن الاسرائيلية انه بات بمقدورها عبور البحر الأحمر دون قلق، والسؤال الثاني هو هل تقدر أميركا أن تقول لمستوطني شمال فلسطين المحتلة، هل بات بمقدورهم العودة الى مستوطناتهم دون خوف من ضربات المقاومة، وما دام الجواب سلبيا في الحالتين، فان الدولة العظمى قيمتها الاستراتيجية في المنطقة صفر، والقيمة العسكرية لقاذفاتها صفر.

- مشكلة اميركا انها تدرك بأنها عاجزة عن صناعة حرب كبرى وتحمل تبعاتها وخسائرها، وتدرك أن السبب هو عجزها عن بذل الدماء، وتدرك أنها خسرت حربيها في العراق وأفغانستان بسبب هذا العجز، وأنها لجأت الى تعويض هذا العجز بالاستعانة بالجماعات الارهابية حتى تجرأت على اتخاذ قرار الحرب على سورية، وتدرك أن إمكانية لفعل الشيء نفسه فيما يخص فلسطين، فسقف ما تستطيعه هذه الجماعات هو الامتناع عن المشاركة في حرب المقاومة، ومحاولات استنزاف حلفاء المقاومة في سوريا والعراق، لكنها أعجز من أن تغير موازين القوى، وقد جربت حظها في ظروف أفضل بكثير وفشلت.

- مشكلة أميركا انها تدرك ان الباب مفتوح لتسوية يمكن أن تقبلها المقاومة، وان عجزها عن السير بهذه التسوية هو أنها تضع المصالح الإسرائيلية كأولوية في مقاربتها معادلات المنطقة، لأنها تعتبر كيان الاحتلال أداتها الوظيفية الأشد إخلاصا في منطقة حيوية وشديدة الأهمية الاستراتيجية في حسابات المصالح الإستعمارية، وليس بحساب المصالح الوطنية الأميركية العليا، التي يفترض أن يكون جوهرها السعي لكسب رضا شعوب المنطقة، وتدرك أميركا جيدا انها عندما طرحت بعد احداث 11 ايلول سؤال لماذا يكرهوننا، حصلت على جواب واضح، وهو التبني الأعمى والمفتوح الى جانب "إسرائيل" ومصالحها وحروبها وجرائمها وسياساتها.

- طالما هذه هي الخيارات الأميركية فإن موقع اميركا الطبيعي الى جانب كيان الاحتلال سيجلب على أميركا الهزيمة التي مني بها الكيان في 7 تشرين الأول الماضي، وشريك الهزيمة عليه أن يكون شريكا في فاتورة الهزيمة، ولذلك طال الزمن أم قصر فإن على اميركا بينما تستعد "إسرائيل" للانسحاب من غزة والدخول في صفقة تبادل بشروط المقاومة لاستعادة أسراها، أن تستعد هي للانسحاب من العراق وسورية.

 

2024-02-04 | عدد القراءات 79