17 أيار خيار وليس ذكرى
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- ليس في المنطقة الا خيارين، خيار التساكن مع كيان الاحتلال، والتساكن ليس خيارا الا من موقع القول بأننا لا نستطيع تحمل تبعات المواجهة مع الكيان وان التساكن أقل كلفة، ولذلك فهو تساكن الضعيف مع القوي، ولا يتم بالتالي إلا بشروط القوي لا برغبات الضعيف وأوهامه، أما الخيار الثاني فهو خيار المقاومة المنطلق من قناعة راسخة بأن اظهار الضعف أمام الكيان لا يجنب صاحبه تبعات العدوانية، بل يحقق للكيان فرص التخلص من تبعات مواجهة اضافية وإملاء شروطه دون تكلفة، ولذلك فإن من يقتنع بأنه من السكان الأصليين لهذه المنطقة وليس لديه ولدى أبنائه وأحفاده والأجيال القادمة غير الوطن الذي ينتمي إليه ويدفن في ترابه، ويقتنع بأن هذا الكيان دخيل وطارئ وشرعنة وجوده ليست إلا علامة خوف وتسليم بالضعف، و تكلفتها أعلى بكثير من تكلفة المقاومة، ولذلك يختار الوقوف على ضفة المقاومة حتى يأتي يوم تستعيد المنطقة استقرارها بزوال هذا الكيان، وعودة الحدود المفتوحة بين شعوبها، كما كانت قبل زرع هذا الكيان لتقطيع أوصالها، وتهجير جزء من شعبها.
- يتلون شكل الحضور والمنافسة والمواجهة بين هذين الخيارين لدى شعوب المنطقة وقواها السياسية، ليثبت في النهاية أن ليس هناك خيار ثالث غيرهما، فمصر بعد كامب ديفيد هي غير مصر قبله، ويكفي ما يشعر به المصريون اليوم من عجز وهم يرون بعيونهم ما يعانيه الشعب الفلسطيني في غزة، وليس بيدهم أن يدخلوا لقمة خبز أو قنينة ماء أو حبة دواء دون إذن مسبق من الاحتلال، وهل من شعور بالخزي والذل أكثر، من أن يقف شعب يزيد عدد سكانه عن مائة مليون نسمة، وجيشه صاحب أمجاد قتالية تذكر، ولهذا الشعب تاريخ وأجداد كتبوا في تاريخ المنطقة منذ آلاف السنين صفحات من الحروب والبطولة، وها هو الأردن بعد اتفاقية وادي عربة، على طول الحدود الممتدة مع فلسطين يحرس الحدود منعا لادخال شفرة تسهم في مقاومة الاحتلال من قبل شباب الضفة الغربية، ويلاحق على الحدود مع سورية كل محاولة لنقل أبسط الأسلحة والذخائر، وها هي سلطة أوسلو منشغلة بمطاردة المقاومين في الضفة الغربية، غير آبهة بأن الدم المراق في غزة هو دم شعبها، وأن الشباب الذي يؤخذ إلى السجون يساق بمذلة ومهانة، هم أبناء رجال الأمن في أجهزة السلطة، وكل ذلك يحدث لأن ليس هناك خيار آخر لمن قرر سلوك طريق التساكن، وصدق ان هذا التساكن سلمي، وهو أشد أنواع العنف قسوة وبشاعة، انه من نوع رؤية عصابة تغتصب الأم وبناتها أمام أعين الزوج والأب، وهو يصرخ فيهن طلبا للصمت منعا للفضيحة.
- في مثل هذه الأيام كان لبنان على موعد مع منافسة ومواجهة بين هذين الخيارين، بين اقلية شعبية وسياسية قررت ان المقاومة خيارها، وأغلبية سياسية قررت أن خيارها هو التساكن المسمى سلميا مع كيان الاحتلال، وأغلبية شعبية حائرة، وكان اتفاق 17 أيار 1983، الذي نص على ترتيبات أمنية تحمي الكيان عبر منحه حق التدخل في نوعية الملاحقات الأمنية والنصوص القانونية التي تشرعها، ووضع نقاط متقدمة داخل الأراضي اللبنانية، كما منحه حق التدخل في تحديد ما يسمح به وما لا يسمح به في مناهج التعليم والإعلام، وصولا الى ترويج بضائعه وسلعه في الأسواق اللبنانية، وكانت الأقلية التي ترفض هذا التساكن المهين والمذل وتسميه اتفاق الإذعان، قد قررت خوض المواجهة حتى إسقاطه، وهي تواصل مقاومة الاحتلال، وتؤمن أنها سوف تفرض على الاحتلال في يوم قادم الانسحاب دون مفاوضات ودون قيد أو شرط، وهو ما حدث بعد 17 عاما تماما من الاتفاق السيء الصيت.
- هل يسأل الذين يقفون اليوم ضد المقاومة، أو يقدمون مناوءتهم بتعابير مخففة كالاختلاف في الرأي، أنفسهم عن موقفهم يوم توقيع اتفاق 17 أيار، الذي منعت المقاومة إبرامه عندما نجحت في انتفاضة 6 شباط 1984 بقلب الطاولة على السلطة التي وقعت، وفرضت على قوات المارينز والقوات المتعددة الجنسيات الرحيل عن لبنان، والسؤال الذي يجب أن يطرحوه على أنفسهم بسيط، هل كانوا يؤيدون الاتفاق أم لا؟ هل كانوا يتوقعون أن تنجح المقاومة بطرد الاحتلال دون تفاوض ودون قيد أو شرط أم لا؟ ليست مهمة مفردات الخلاف يومها واختلافها عن مفردات اليوم، طالما أن الخلاف هو بين الخيارين، خيار التساكن مع الكيان وخيار مقاومته، والتساؤل في ضوء ما تشهده يوميات الحرب مع الكيان، التي يخوضها ضعفاء العرب وفقراؤهم، في اليمن وغزة وجنوب لبنان، ومن خلفهم في بلدانهم من يعارضهم، وبعض المعارضين ينكلون بهم ويشتمونهم، ألا يرون أن الميزان مختل لصالح هؤلاء على قلتهم وضعفهم، وأن الكيان يعجز عن امتلاك زمام المبادرة وعن تحمل حرب الاستنزاف، ألا يتساءلون عن كبار العرب وأقويائهم وأغنيائهم، أين هم من تقرير مصير المنطقة؟ وما هي أدوارهم واحجامهم في صناعة الاستراتيجيات والسياسات؟ الم تنته بالأمس قمة عربية مجلجلة في المنامة، فمن أحس بانعقادها ومن قرأ بيانها، ومن تابع جلساتها، وهل حصلت على بعض الاهتمام مقارنة ببيان صادر عن ابي عبيدة؟ وهل يقيم خصوم المقاومة او المختلفون معها الحساب لليوم الثاني بعد النصر؟ ومدى أهمية ان يكونوا على ضفة غير تلك التي كان عليها الذين وقفوا مع 17 ايار 1983 في يوم 25 ايار 2000.
- مع فارق 17 عاما بين التاريخين، يبقى الفاصل بينهما أسبوع بحساب التاريخ، وهذا الأسبوع قابل للتكرار، مع تغير المفردات والأسماء.
2024-05-18 | عدد القراءات 186