نقاط ع الحروف 2/7/2024

عندما يكون صانع الدبلوماسية كذابا

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- انتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركية يتحدث أمام معهد بروكينغز، ما يعني أن الكلام محسوب بميزان الذهب، وأن عمق التحليل يبهر العقول، لأن المتحدث وزير خارجية أميركا الدولة الأعظم في العالم، والتي تمسك دفة الحرب والسياسة على عدة جبهات معقدة وحساسة، يقول بلينكن إن المفاوضات حول غزة أن ملء الفراغات في مبادرة رئيسه جو بايدن متواصل، ويشرح الموقف بقوله "لا يمكن ترك غزة بلا حكم ونعمل مع حلفائنا العرب خلال الشهر الماضي لوضع خطط لمستقبل غزة". و "الفراغ في غزة يعني اما استمرار الاحتلال الإسرائيلي أو استمرار سيطرة حماس او الفوضى، وهذا أمر غير مقبول"، ثم يتحدث عن فرضية حرب بين "اسرائيل" وحزب الله، فيقول، "لا اسرائيل وحزب الله ولبنان وإيران يريدون الحرب". ولفت الى ان "طهران لا تريد حربا لأنها لا تريد رؤية حزب الله مدمرا، وتفقد ورقة أخرى في المنطقة، بالمقابل إسرائيل لا تريد الحرب في لبنان لكنها مستعدة لذلك"، وفي الختام ينتقل إلى حرب اوكرانيا حيث اعتبر بلينكن "باننا "امام نجاح هائل بالأخذ بالنظر ما لم يستطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنفيذه في أوكرانيا، وهناك نحو ثلاثين دولة تعمل على اتفاقيات أمنية طويلة الأمد مع أوكرانيا لجعلها رادعة لبوتين".

- إذا كانت هذه هي قناعة بلينكن فتلك مصيبة، وإن كان يكذب الى هذا الحد فالمصيبة أعظم، فلنبدأ بمفاوضات غزة، وما يتحدث عنه بلينكن ليس سرا، وهو محاولة إرضاء حركة حماس بقبول مطلب إنهاء الحرب، مقابل الحصول على موافقتها على تسليم أمن غزة لقوات عربية، وهذا يرضي حكومة بنيامين نتنياهو، لكن بلينكن يعلم أن حماس رفضت المشروع، وأن المعنيين العرب وخصوصا مصر والسعودية ربطوا أي بحث بدور في غزة بشرطين، الأول طلب فلسطيني يحظى بموافقة الأطراف المعنية، وخصوصا السلطة وحماس، والثاني ان يكون الأمر ضمن سياق التزام عملي أميركي اسرائيلي نحو قيام دولة فلسطينية، ما يعني أن بلينكن يكذب عندما يخبر الباحثين والمحللين كلاما فات زمانه وسقط من التداول، فقط من باب التباهي بأن إدارته ليست خاوية اليدين من المبادرات وان في أكمام قميصها مزيد من طيور الحمام لإخراجها على طريقة السحرة.

- إذا أخذنا كلام بلينكن عن فرضية الحرب بين المقاومة وكيان الاحتلال على جبهة لبنان، فان المهم فيه ليس استبعاده للحرب، بل ربط هذا الاستبعاد بمعادلة هي نقيض الواقع، فهو يقول أن إيران تخشى تدمير حزب الله وهو أهم ما لديها في المنطقة، وأن اسرائيل لا تريد الحرب لكنها مستعدة لها، ونحن لا نعلم ما كانت أسئلة الباحثين الموجهة للوزير، والذين يفترض أنهم يتابعون الإعلام ويقرأون الصحف، وهي مليئة بإعلانات إسرائيلية عن الرغبة بالحرب، وبالمقابل هي مليئة بمعادلة لا نريد الحرب لكننا مستعدون لها، لكن على ألسنة قادة حزب الله، اما عن الخشية التي ينسبها الوزير الكذاب الى ايران من ما يسميه تدمير حز بالله، فهي خشية رئيسه جو بايدن من تدمير اسرائيل، وقد قال أن تدخل القوات الأميركية بمواجهة الرد الايراني منع تدمير اسرائيل، ثم جاء رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال تشارلز ابرامز ليضيف أن قواته لن تستطيع في مواجهة بين اسرائيل وحزب الله أن تقدم ذات المساعدة التي قدمتها لمواجهة الرد الإيراني، ما يعني التحذير من خطر تعرض إسرائيل للتدمير في الحرب مع حزب الله وفقا لمعادلة بايدن وابرامز.

- أما في كلام بلينكن عن أوكرانيا، وحديثه عن النجاح الهائل والخطوات الرادعة، فكان على الوزير بلينكن أن يبلغ الذين استمعوا إليه في معهد بروكينغز ان الوضع يزداد سوءا على الجبهات الأوكرانية، وأن روسيا تواصل التقدم، وان تقييم حلف الناتو وفقا لأمينه العام ينس ستولتنبرغ قال قبل أيام قليلة أن الحلف لا يملك حلولا راهنة لمشاكل الحرب متوقعا أن تستمر وتطول، مبديا الخشية من انهيار أوكرانيا، وكان على بلينكن ان يقول ان الاجراءات الرادعة التي يتباهى بها ترتكز الى مبادرة قدمها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإرسال قوات أوروبية بقيادة فرنسية، وأن هذه المبادرة تتداعى في ضوء الانتخابات الفرنسية وسيطرة اليمن على البرلمان وتعهده بعدم السماح بتمويل اي ارسال قوات فرنسية الى اوكرانيا.

- بلينكن لا يقيس كلامه بقياس الصلاحية الواقعية للتحقق، بل بمدى الوقت الذي يحتاجه المستمعون حتى يكتشفوا بعده عن الواقع، وهو بلا شك يعلم أنه يكذب، ويكفي أن يكون صانع الدبلوماسية كذابا، حتى نعرف أسباب الفشل في السياسات الأميركية، والمشكلة سوف تصبح أكبر عندما يصدق صاحب الكذبة كذبته لكثرة ترديده لها.

 

2024-07-01 | عدد القراءات 64