ثنائية العجز والعنجهية امريكيا واسرائيليا
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- ربما يمكن اتخاذ ترشيح الرئيس الأميركي جو بايدن لولاية رئاسية ثانية، مثالا يسهل شرح فكرة الثنائية التي تجمع العجز والعنجهية معا، بما يقدم مشهدا سورياليا يصعب فهمه وتفسيره، فنحن هنا وفي كثير من وجوه السياسات العليا لدول وجيوش وكيانات يفترض قياسها بمعايير موضوعية دقيقة، لكننا أمام شيء آخر حيث الأشخاص المعنيين باتخاذ القرارات هم مجموعة من الأنانيات المريضة المصابة بالعقد والعاجزة عن اتخاذ القرارات المناسبة، وهي تدرك عجزها، وعجز الجيش أو الكيان الذي تديره، لكن طاب العنجهية حاكم ويحول دون الواقعية، ويؤدي الى المخاطرة بخسارة أشد خطرا، ويكفي النظر لبايدن المدرك انه عاجز عن خوض منازلة رئاسية رابحة، والعارف بفقدانه للياقة الذهنية والقدرة العقلية التي يفرضها موقع رئاسة الدولة الأميركية، لكن الأنانية المفرطة المشبعة بالعنجهية تضعه في موقع العناد على المضي في الترشيح ولو كانت النتيجة اما خسارة مدوية لحزبه أو فوز يضع اميركا كلها في دائرة الخطر عبر تولي شخص فاقد للأهلية العقلية لمنصب الرئيس.
- مثال بايدن مكرر بوضوح، في كيفية مواكبة كل من الإدارة الأميركية التي تضم الى بايدن مجموعة من الأركان السياسيين والعسكريين والأمنيين، والإدارة الإسرائيلية التي تضم بنيامين نتنياهو ومعه مجموعة أيضا من العسكريين و السياسيين والأمنيين، فعلى سبيل المثال في العلاقة الأميركية الايرانية التي شهدت خلال مرحلة الخروج الأميركي من الاتفاق النووي تطورات لا تقبل النقاش حول فشل كل نظرية الحصار التي قام عليها الخروج من الاتفاق، فزادت ايران قوة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، وهو ما لا يستطيع اشد غلاة التطرف الأميركي انكاره، وها هو محور المقاومة بقيادة إيران لاعب أول في المنطقة الأولى من العالم، والتقارير الأميركية تتحدث عن إيران بصفتها سند قوي لروسيا في حرب أوكرانيا عبر تزويدها بتقنيات الطائرات المسيرة، وتتحدث عن خطر تدمير اسرائيل في الرد الإيراني على استهداف القنصلية الايرانية في دمشق، وتتحدث عن زيادة ايران إنتاجها النفطي في ظل العقوبات إلى ضعف ما كان عليه في ظل الاتفاق النووي، و بينما إيران تخرج من انتخابات رئاسية يفوز فيها مرشح اصلاحي يقول في حملته الانتخابية انه مستعد للعودة الى المفاوضات حول الملف النووي ويرغب بحل مشكلات العلاقة بالغرب، وبدلا من أن يبدو ذلك بمثابة فرصة للخروج الأميركي من مأزق الفشل في اضعاف ايران ومحاصرتها، يرد الناطق بلسان مجلس الأمن القومي الميركي جون كيربي على دعوة الرئيس الايراني مسعود بزشكيان بالقول ان واشنطن غير مهتمة باستئناف المفاوضات النووية مع ايران، وليس في جعبة واشنطن وصفة أخرى غير التفاوض مع ايران، وقد سقطت كل الوصفات، لكن العجز والعنجهية يجتمعان في توليفة غريبة عجيبة فتكون النتيجة التي سمعناها.
- بالمثل ليس في كيان الاحتلال من يستطيع الزعم أن لدى أي من قادته وصفة مناسبة لحل اشكالية التهديد الذي يمثله حزب الله عبر تعاظم وتنامي دور جبهة الإسناد التي يقدمها لغزة من جنوب لبنان، وكل العالم وعلى رأسه واشنطن، يقول إن المخاطرة بحرب مع المقاومة في لبنان يعني تعريض أمن ومستقبل "اسرائيل" للخطر، كما ورد في بيان الخارجية الأميركية، وتقول وقائع الميدان وما يخفيه من أسرار قد تجعلها الحرب علنية، أن الكيان قد يذهب الى حتفه في منازلة فاصلة مع المقاومة في لبنان، رغم ما يهدد بالحاقه من دمار بلبنان، لأن الكيان سوف يكون على موعد مع ما هو أقرب إلى يوم القيامة، وبالمقابل فشلت محاولات الضغوط والاغراءات لإخراج المقاومة اللبنانية من معادلة، استمرار جبهة الإسناد حتى التوصل الى اتفاق ترضى به المقاومة في غزة وينتهي بوقف كامل للحرب و انسحاب كامل لجيش الاحتلال من قطاع غزة، وبالتوازي يظهر الرهان على تحمل مرارة المواجهة مع المقاومة في لبنان لبعض الوقت، أملا بتحقيق إنجاز عسكري كبير في غزة، وكل يوم جديد تظهر فيه المقاومة في غزة مزيدا من الانجازات ويظهر جيش الاحتلال المزيد من التراجع والإخفاق، وبالرغم من نصائح الغرب كله وعلى رأسه واشنطن لقيادة الكيان بالاسراع بالذهاب لتسوية تنهي الحرب في غزة كمدخل للتخلص من تحديات حروب الاسناد وفي مقدمتها لبنان، يجتمع العجز والعنجهية في توليفة غريبة للمضي قدما في املخاطرة بلعبة قد تتدحرج نحو انفجار كبير يخرج عن السيطرة، يتعرض خلاله الكيان لخطر وجودي، والقضية لا يختصرها التفسير الذي يقول ان بنيامين نتنياهو يخوض معركت هالشخصية بتفادي الخروج من السلطة والخوف من املحاكمة، لأن المستوى العسكري والأمني والفاعليات السياسية والاقتصادية التي تملك القدرة على فعل الكثير تبدو مشلولة عن الحركة بفعل هذه الثنائية العجيبة للعجز والعنجهية، فلا يجرؤ أحد على القول اننا نهزم وننتحر، ويخشى الجميع اتهامه بالسعي لانهاء الحرب فيكتفي من يوصفون بالمعتدلين بالحديث عن الحاجة لصفقة تنهي ملف الأسرى ويتهربون من الحاجة لانهاء الحرب كاولوية تسبق صفقة الأسرى لتفادي المخاطر الأشد تسببا بالقلق.
- ثنائية العجز والعنجهية تنتج مأزقا مفتوحا في معادلات كثيرة، وربما تحجب فرص اعتماد التحليل العقلاني كمدخل لفهم السياسات.
2024-07-11 | عدد القراءات 56