نقاط ع الحروف 13/7/2024

حرب العقول بين المقاومة والاحتلال

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- لما ينتبه الكثيرون لما حمله طوفان الأقصى من حقائق جديدة في مسيرة تراكمية للنجاحات والإنجازات التي تحققها المقاومة، وقد جاءت حرب الشهور التسعة التي أعقبت الطوفان لتحمل تأكيدا للكثير من معانيه وأبعاده، بعدما نجحت المقاومة في تحويل الحرب إلى استنزاف للاحتلال، تأقلم معها المقاومون، و تدبروا أمورهم ، بحيث حسم أمر فشل الاحتلال في تحقيق أي من أهداف حربه، الى غير رجعة، ويدور القتال حول حجم الهزيمة التي سوف يمنى بها الاحتلال، وحجم النصر الذي سوف تكتبه المقاومة.

- في هذه الحرب الدائرة في غزة ومثلها التي تدور رحاها على حدود لبنان الجنوبية وصولا الى عمق كيان الاحتلال، تأكيد لذات الأبعاد والمعاني، سواء لجهة فشل الاحتلال في إسكات الجبهة، أو في فصلها عن هدفها كجبهة إسناد لغزة خصوصا في مسار التفاوض، وصار مأزق الاحتلال الذي تسببت به المقاومة، سواء عبر تهجير المستوطنين أو تجميد جزء هام وحيوي من جيش الاحتلال لجبهة لبنان بدلا من إرسال هذه الوحدات للقتال في غزة، وصولا الى التحدي اليومي المذل والمهين لمهابة القوة التي كان يتباهى بها هذا الجيش.، ومثل هذه الجبهة حال الجبهة اليمنية والجبهة العراقية، سواء لجهة فشل محاولات الفصل او الاسكات، أو نجاح المقاومة بخلق تحديات جديدة على كيان الاحتلال لا قدرة على التخلص منها إلا بوقف الحرب على غزة.

- في النظر للتفوق الذي تظهره المقاومة في هذه الحرب، يثبت بما لا يقبل النقاش، أن إنجازات طوفان الأقصى لصالح صورة المقاومة وقوتها ومقدراتها، بعدما كان الانطباع الذي وقع أسرة الكثيرون، هو أن إنجازات الطوفان تعود لعنصر المفاجأة من طرف المقاومة، وليس إلى عناصر تتصل بالكفاءة والمهارة والقدرة على التخطيط وإتقان التنفيذ، وقد تم تغييب كل هذه العناصر في تقييم الطوفان ولاحقا تقييم الحرب، والاكتفاء بثنائية تلاحق المقاومة منذ نشأتها، وفي كل الميادين، وقوامها أن عنصري المفاجأة والقدرة على التضحية، هي مصادر اتفقوا المقاومة.

- كان مفهوما في بدايات تجربة المقاومة التركيز على قدرتها على تقديم التضحيات، وقدرة جسمها على تحمل بذل الدماء، وتسليم بيئتها الشعبية الحاضنة والداعمة بتقبل الكلفة المترتبة على المقاومة كخيار، وقد خرج عدد من المنظرين العسكريين يتحدثون عن قوة المقاومة كثمرة لاستعداد شبابها للموت، وسقف ما يملكه أي جيش هو التهديد بالموت، فكيف تهدد عشاق الموت به، وربما يكون قد نتج عن هذه النظرية الحديث عن ثقافة الموت، ومناهضة المقاومة بالحديث المعاكس عن ثقافة الحياة، بينما تجربة المقاومة تقول إنها في كل مسيرتها لن تسجل رقم المئة من الاستشهاديين، بل إنها في آخر حروبها مع الاحتلال والإرهاب في لبنان وسورية لم تلجأ الى هذه العمليات لانعدام الحاجة لها، والمقاومة تؤمن بالحياة وتحب الحياة، لكنها لا تهاب الموت ولا تخشاه عندما يكون تضحية فردية واجبة لتحيا أمة وينهض وطن، وتحمى الأرض ويصان العرض.

- أظهر الطوفان وما تلاه على جبهات القتال، أن حركات المقاومة انتصرت في أكثر من حرب على كيان الاحتلال، وهي طبعا كسبت عليه حرب التضحية، وربحت عليه حرب الروح المعنوية، لكن هاتين لا تختصران المقاومة ولا تفسران تفوقها، فقد ربحت المقاومة أولا وأصلا حرب العقول، ومن ضمنها حرب الرواية، سواء لمفهوم الحق الفلسطيني أو لوقائع الحرب والميدان، رغم عدم امتلاكها إمكانيات اعلامية تتيح التفكير بتحدي الآلات الإعلامية العملاقة المكرسة للترويج لرواية الاحتلال.

- في حرب العقول عناوين عديدة تجلى فيها تفوق المقاومة، فقد خططت المقاومة تصورا معينا لاجتياح غلاف غزة، ونفذت خطتها بنجاح واضح ومبهر، وخطط الاحتلال لاحتلال غزة وسحق المقاومة فيها، وهو يغرق في وحول حربه و مستنقعات الهزيمة كل يوم أكثر، وفي حرب العقول نجحت المقاومة في تفكيك شيفرات منظومات الحماية حول غلاف غزة واختراقها، بينما فشل الاحتلال في امتلاك خريطة واحدة لأنفاقها، ونجحت المقاومة بكتمان خطتها لغلاف غزة شهورا طوال بحيث أصيب الاحتلال بالذهول والمفاجأة عند حدوث الطوفان، وفي تقنيات الأسلحة والخطط الحربية ظهرت المقاومة، في جنوب لبنان كقوة تكنولوجية متفوقة، خصوصا في مجال التلاعب بالقبة الحديدية وتقنياتها، وتأمين المرور الآمن لطائراتها المسيرة وصواريخها، وصارت الحرب بين رجلين يجلس كل منهما أمام شاشة، واحد يتحكم بالقبة الحديدية وصواريخها، والثاني يتحكم بالطائرات المسيرة وخط سيرها، وحتى الآن يبدو واضحا، أن صاحب الطائرات هو من يربح.

- في حرب العقول تطوير الأسلحة، وها هي قذيفة ال105 وعبوة الشواظ تنتصران على أجيال الميركافا الأربعة، بما في ذلك ناقلة الجنود النمر، بينما تخرج المقاومة في لبنان كل يوم من ترسانتها أحد أسلحتها الجديدة التي صنعتها وطورتها، فتصيب العدو والصديق بالذهول، وها هي تسجيلات الهدهد الأول والثاني، تقول إذا لم تكن هذه حرب عقول فهي حرب ماذا إذن، والانجاز كله فعل عقلي لا مكان للعضلات ولا التضحيات ولا المعنويات دور في صناعته، إلا من زاوية روح الإنسان الذي يستخدم عقله بطريقة مختلفة عن عدوه.

- من حق المقاومة والمقاومين التركيز على هذا تلفوق في حرب العقول، لأن الانتصار في الحرب ليس فقط انتصار للدم على السيف، بل انتصار لعقل يتقن أحد التكنولوجيات ويقوم بصناعتها، ويتفوق على عدو تفرد لعقود بهذه الميزة.

 

2024-07-12 | عدد القراءات 71