بهدوء…حقائق لا جدال فيها
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- يهدف الضخ الإعلامي وعمليات البروباغندا الى تشويش العقول بطرح الأسئلة الخاطئة للوصول إلى الاستنتاجات الخاطئة وجعلها تبدو حقائق ثابتة، والحرب على العقول هي الحرب التي تكرس النصر والهزيمة، فاذا اقتنع المنتصر انه مهزوم فلا قيمة للنصر، وإذا اقتنع المهزوم أنه لم يهزم فهو يستطيع النهوض مجددا، ولذلك يجب أن نعود في النقاش إلى الوقائع التي يمكن التسليم بين المتخاصمين بأنها لا تقبل النقاش وأنها ثابتة و واضحة وراسخة.
- أول هذه الحقائق أن كيان الاحتلال وجيش الاحتلال قد نجحا خلال أسبوعين ماضيين بتوجيه ضربات شديدة القسوة للمقاومة في لبنان، التي تشكل القوة المحورية في محور المقاومة، وكان النجاح باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ذروة هذه الانجازات والضربات، وامتدادا لهذه الحقيقة كان واضحا أن الدعم الأميركي المشارك في تحقيق الضربات الناجحة، كان مشاركا في توظيفها لصناعة صورة استرداد "إسرائيل" معادلة الردع وزمام المبادرة في الحرب.
- ثاني هذه الحقائق أن هذه النجاحات كانت تحتاج لإظهار استرداد قدرة الردع وزمام المبادرة الى ترجمتها بفرض إيقاف صواريخ حزب الله على شمال فلسطين المحتلة، باعتبار هذه الصواريخ هي الفعل الذي يحجز من خلاله حزب الله مقعدا في الحرب ويربط بين جبهتي لبنان وغزة ويتسبب بمنع مهجري مستوطنات شمال فلسطين المحتلة من العودة، وإطلاق الصواريخ إرادة وقدرة يجب أن يحرم حزب الله من أحدهما على الأقل، وهذا يعني من جهة التأثير عبر النجاحات المحققة للكيان لكسر ارادة حزب الله ودفعه للتخلي عن هذا الخيار، وهذه كانت مهمة القصف التدميري والتهجيري من أجل إطلاق ديناميكية لبنانية شعبية وسياسية تضغط بهذا الاتجاه، ومن جهة مقابلة محاولة الوصول الى البنية الصاروخية وتدميرها او اضعافها الى الحد الأدنى، وضرب منظومة القيادة والسيطرة، وبمعزل عن التحليلات والأسباب فإن الحقيقة الثابتة بعد محاولات عبرت عنها موجات القصف الشاملة والقاتلة أن حزب الله متمسك بقرار إطلاق الصواريخ وانه يملك قدرة مواصلة إطلاقها.
- الحقيقة الثالثة هي ان الحرب البرية صارت استحقاقا لا مفر منه كي ترتسم صورة الردع الاسرائيلي ويتثبت له استرداد زمام المبادرة عبر النجاح بإيقاف إطلاق الصواريخ، التي سجلت تصاعدا بالتناسب مع العمليات الاسرائيلية بدلا من ان تسجل التراجع، وهذا ما حدث عبر التعبئة السياسية والعسكرية والإعلامية وبدأت العمليات البرية، والنتيجة حتى الآن تقول أن المقاومة تسترد تألقها وحضورها وإثبات تفوقها، وتسترد ثقة بيئتها ومؤيديها بأن الضربات التي تلقتها لم تسقطها، وصار جيش الاحتلال ومعه قوة الردع وامساك زمام المبادرة في مأزق لا يمكن الخروج منه دون الانجاز البائن في العمليات البرية، وهو ما يبدو كل يوم أشد صعوبة وكلفة، ودونه المزيد من الصعوبات والعقبات، وهذا استعصاء لا يمكن لواشنطن المساعدة في الخروج منه وعلى الكيان أن يقلع شوكه هنا بيديه.
- الحقيقة الرابعة هي أن إيران التي كثرت حولها التحليلات خصوصا مع وصول رئيس إصلاحي الى الحكم، وقيل انها عقدت صفقة على ظهر قوى المقاومة، أو أنها مردوعة وخائفة، ولذلك تخلت عن وعدها بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد القائد إسماعيل هنية، ولم تقم بالرد على اغتيال الأمين العام لحزب الله الشهيد القائد السيد حسن نصرالله، ظهرت الى الميدان وقد حسمت أمرها وتحدثت بلسان رئيسها أنها منحت الفرص لضبط النفس والحلو السياسية، لكن النتيجة كانت المزيد من التصعيد والأفعال الإجرامية، حتى وجدت لزاما عليها أن ترد بما يتناسب مع نظرتها لمكانتها ودورها ومصداقيتها، وانهى هذا الرد الايراني مل النقاش الافتراضي ومضامينه المسمومة حول تغير في الموقف الاقليمي لايران، وعادت الأمور إلى مربعها الأصلي، وها هو الرد الايراني قاسيا وموجعا ومبهرا والكيان يعترف بأن قاعدته الجوية الرئيسية خرجت عن الخدمة بسببه، والرأي العام الإسرائيلي يقف مشدوها مذهولا أمام الفشل في منع هذا الرد، وبات واضحا أن إيران استردت ميزان الردع الإقليمي لصالحها، وأن ترميم الصورة التي صنعتها الضربات الاسرائيلية ضد المقاومة في لبنان صار مشروطا برد اسرائيلي أقوى على ايران.
- الحقيقة الخامسة هي أن الكيان ألان عالق بين استعصائين، ومعه واشنطن، الأول هو الحاجة الماسة للفوز بالحرب البرية، والثاني هو الحاجة لرد على الضربة الايرانية يعيد صورة الردع للجانب الإسرائيلي، وفيما يهدد المضي قدما بالمحاولات الميؤوس منها في التقدم البري، باصابة جيش الاحتلال بضربات قاتلة ويفتح الطريق امام اعادة ترميم معادلة الردع لصالح المقاومة في لبنان إذا قررت في توقيت معين تفعيل معادلة استهداف تل أبيب بقوتها الصاروخية الاستراتيجية التي لا تزال بخير كما يعترف الإسرائيليون أنفسهم، يبدو بالتوازي ان الذهاب الى رد مؤلم لإيران لن يمر دون رد أشد قسوة و إيلاما، والدخول في سلسلة تصعيد بين رد ورد على الرد، تجعل الحرب الإقليمية أقرب، وواشنطن عالقة في العجز عن تقديم الأجوبة، لأنها تعلم ثمن الفشل البري الإسرائيلي وتعلم ثمن التورط في الحرب الإقليمية، والوقت داهم بالساعات والأيام وليس بالأسابيع والشهور.
2024-10-04 | عدد القراءات 39