نقاط ع الحروف 8/10/2024

لأصحاب المخاوف الصادقة… لا تستعجلوا!

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- يعبر البعض عن خشيتهم على المقاومة في هذه الحرب، وهذا الشعور بالقلق يرتبط أكثر ما يرتبط بغياب القائد الأعظم في المقاومات العربية وفي تاريخ حركات التحرر العالمية، والتساؤل عما إذا كان ممكنا للمقاومة أن تنتصر بغياب السيد حسن نصرالله، وتأتي عمليات الضخ المبرمج التي يتولاها من يطرح التشكيك بقدرة المقاومة من زاوية خبيثة فتلقى رواجا على خلفية قلق مصدره صادق، والطروحات الخبيثة ليست موضوعنا، لأن خبثها جزء من الحرب ويتولاه عرب ومنهم لبنانيون، يريدون نعي المقاومة وليس فقد قائدها وسيدها، ولا يخفون رغبتهم باستثمار غيابه والحرب الإجرامية المتوحشة التي يخوضها الاحتلال لبناء معادلات سياسية لبنانية وعربية جديدة.

- أول ما يستدعي تفحصه من قبل القلقين بخلفية صادقة هو مشهد الحرب على غزة، ومحاولة فك شيفرة هذه الحرب خلال سنة، حيث رمى جيش الاحتلال ومن خلفه القدرات الأميركية العسكرية والتقنية والاستخبارية، وبالرغم من وجود جبهات الإسناد وفعلها المؤذي لكيان الاحتلال، إلا أن مفعول جبهات الإسناد كان في خلق عقد مستعصية للكيان لا يمكن له حلها بالقوة، ووضعه بين خيارات الذهاب إلى اتفاق مع المقاومة في غزة، وهذا ما لم يحدث، وهو مضمون الإسناد التكتيكي لمقاومة غزة، أو الذهاب في التصعيد وهذا ما فعله الكيان، وحربه على لبنان بدعم أميركي لا محدود هو ترجمة هذا التصعيد، وهذا هو مضمون الإسناد الاستراتيجي لجبهات الاسناد وخصوصا جبهة لبنان، والدفاع الاستباقي عن لبنان لفرضيات الحرب إذا انتصر الاحتلال على غزة، لكن هذا الإسناد الاستراتيجي لم يغير من شروط الحرب في غزة، ولا حجم القتل والتدمير ومحاولات صناعة نصر على المقاومة، وقد بلغ الأمر حد أن يزج بعدة فرق من جيش الاحتلال معا لقتال جبهة فرعية مثل خان يونس، وكانت النتيجة التي نراها بعد سنة على الحرب، أن المقاومة تواصل القتال، وتلحق بالاحتلال الخسائر.

- هذه هي الخلاصة لما يجري في غزة، رغم تدمير أغلب البنيان العمراني فيها وقتل أعداد هائلة من أهلها، وليس لدى شعب غزة قائد يملك حجم التاثير والشعبية مثل السيد نصرالله، ويكفيهم أن بينهم قادة مقاتلين صادقين، مثل ما لدى المقاومة في لبنان بعد غياب سيدها، وهذه الخلاصة هي أسوأ سيناريو ينتظر الوضع في جنوب لبنان، أي أن ينجح الاحتلال بالتوغل والتقدم، ويبقى يواجه مقاومة ضارية، هي بالتأكيد أقوى وأفعل من مقاومة غزة، لعدة أسباب، اولها ان المدنيين قد تركوا المناطق التي تتعرض للقصف، وبالرغم من أن هذه مأساة إنسانية، إلا أنها على المستوى الحربي تمنح المقاومين قدرة حركة ومناورة يعقدها وجود المدنيين، ومعاناتهم تحت القتل والتدمير، ثانيا الطابع الجغرافي المختلف لجنوب لبنان الذي يعادل أضعافا من مساحة غزة وتضاريسه مثالية لحروب المقاومة، وثالثا وجود امتداد يسمح ببقاء خط الإمداد مفتوحا، وعمق جغرافي يصل الى سورية والعراق لبقاء التغطية الصاروخية مستمرة وفعالة، ورابعا أن الحرب سوف تدور على خلفية أن الجيش الاتي منهك من حربه لسنة كاملة في غزة، و خامسا أن عديد المقاومة وسلاحها أكثر وأهم، ولذلك كله وسواه، إن الأكيد بمفهوم الحرب إن شهرا واحدا من هذه المنازلة سوف يعني أن جيش الاحتلال سوف يتكبد ما استدعته سنة قتال في غزة، وهي وفق أرقام الكيان عشرة آلاف إصابة منها 2000 قتيل واخراج 1000 آلية من الخدمة، فهل يبقى بعدها هذا الجيش في الجنوب، ام أن المقاومة تنتقل إلى التحرير، مستعيدة ما فعلته عشية الانتصار عام 2000، وربما الى العبور وليس التحرير فقط.

- الذين يعيشون القلق الصادق على المقاومة، مدعوون للتمعن بحقيقة أن حرب تموز 2006 التي ولدت منها صورة النصر العظيم لقائد المقاومة، كانت في ظروف أفضل بالنسبة لجيش الاحتلال وظروف أشد صعوبة للمقاومة، عددا وعتادا وخبرة، والقلق المشروع يطال المعنويات، تحت تأثير غياب السيد، وهذا ربما ما يراهن عليه الاحتلال لتغيير النتائج، لأن القيادات الميدانية تظهر حضورا وقدرة من خلال استمرار الصواريخ في التساقط شمال فلسطين المحتلة، بانتظام وفعالية، كما أظهرت مواجهات الحافة الأمامية بنيانا متماسكا وقادرا وفعالا أكثر من مشهد حرب تموز، والسؤال عن تأثير المعنويات هنا حاسم، لكنه دقيق، ويمكن قياسه مما جرى في الأيام التي أعقبت غياب السيد، لأنها اللحظات الأشد تأثيرا، فهل اعطت المجال للاستنتاج ان المقاومين أصيبوا بالإحباط، أم ما شهدناه يقول أن الوفاء والغضب والانتقام كانت هي النتائج التي شهدنا مفعولها صلابة وروحا قتالية على الجبهة، وعزما و تنظيما وتأثيرا في إطلاق الصواريخ؟

- الحقيقة التي لا ينتبه إليها الكثيرون، هي أن المقاومين يعملون اليوم وفق الخطط المتعددة التي وضعها السيد، لمعالجة الفرضيات العديدة التي تخيلها السيد، وأن هؤلاء المقاومين قرروا أن لا يبكوا السيد قبل أن ينجحوا بإهدائه نصرهم، وهم يستمسكون بما علمهم من الإيمان والسكينة والدعاء والثقة والانضباط، واذا اردنا التحدث بواقعية الإقرار بحجم الخسارة، ونجاح الاحتلال والدعم الأميركي من خلفه بتوجيه ضربات شديدة الأذى بجسم المقاومة وبنيتها وبيئتها وقيادتها، وصولا الى اغتيال قائدها الملهم، فإن ما سوف نشهده في معارك جنوب لبنان هو صورة محسنة ومنقحة ومختصرة عن مشاهد حرب غزة وحرب تموز 2006، إنها أيام قتالية وليست اسابيع، سوف ترسم صورة المنطقة، و ترسم عبره العالم.

 

2024-10-08 | عدد القراءات 56