نقاط ع الحروف 12/11/2024

كلمة الأسد صلة الوصل بين القمة والواقع

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- بقدر ما كانت القمة العربية الإسلامية تكرارا لما سبق و قالته سابقتها قبل سنة، حول أولوية وقف النار في غزة ولبنان، كانت كلمة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة مختلفة عن مناخ المقة وكلمتها وعن طريقة تعامل الرئيس الأسد مع مشاركته في قمتين عربيتين سابقتين، اكتفى في الأولى التي ترجمت عودة سورية الى المشاركة في أعمال القمة وأنشطة الجماعة، بكلام عام عن الحال العربي وأهمية التضامن والوحدة وتشخيص المشاكل ووضع البرامج المؤسساتية لحلها، بينما فضل في الثانية عدم الكلام، رغم حرصه هذه المرة أيضا على قول ما يجب أن يقال دون خلق توترات في علاقات سورية العربية التي لاتزال رغم عودة السفارات العربية إلى دمشق علاقات باردة يتجنب العرب ضخ مزيد من الدفء فيها خشية الغضب الأميركي الذي لم يستسغ تلك العودة للعلاقات، بينما لا يزال هو يحتل أراض سورية ويفرض حصار التجويع والتركيع على سورية ومنع أي محاولة لكسر هذا الحصار.

- كان كلام الأسد سهلا ومنطقيا، ولم ينته بتبني خطوات محددة يربط بها مقياس جدية الموقفين العربي والإسلامي، والخطوات المطلوبة واضحة من سياق الكلمة نفسها، فما قاله الأسد هو أن التشخيص العربي للداء والدواء صحيح لكنه غير فعال، حيث الاجرام الاسرائيلي صحيح، والتغاضي إلى حد التواطؤ عالميا وخصوصا غربيا، وبالأخص أميركيا، صحيح أيضا، لكن هذا صحيحا منذ عام عندما انعقدت القمة العربية الإسلامية الأولى التي انتهت إلى ما انتهت إليه هذه القمة حول اولوية وقف النار، ودعوة الأمم المتحدة لاتخاذ قرار وفق الفصل السابع يفرض وقف النار، لكن هذا الصحيح يستدعي أن تنصرف القمة للاجابة عن سؤال، لماذا لم يستجب أحد لدعوات القمة، والجواب هو بسبب غياب الأدوات التي يفترض بالمقة تفعيل استخدامها لتغيير هذا الوضع من اللامبالاة بموقف العرب والمسلمين من جرائم الاحتلال، والتغطية المفرطة للجرائم الإسرائيلية، بما يكفي لجعل هذا التغاضي شراكة في الجريمة، لكن أليس عدم اتخاذ قرار بتفعيل أوراق القوة العربية والإسلامية لتغيير الوضع المستمر منذ صدور بيان القمة السابقة، نوعا من الشراكة بالجريمة ايضا.

- ليس المقصود بأوراق القوة الجانب العسكري منها، رغم أن استخدامها واجب لنصرة غزة ولبنان، لكن لا أحد يطالب العرب والمسلمين بفعل ذلك، يكفي أن يفعل ما لدى العرب والمسلمين من أوراق قوة كثيرة يمتنعون عن تفعيلها، منها العلاقات التي يقيمها بعضهم مع كيان الاحتلال تحت عنوان التطبيع، والتي يكفي قطعها وتعليق العمل بكل الاتفاقيات الاقتصادية والتقنية المتفرعة عنها، ومنها قوة العرب والمسلمين اقتصاديا وماليا، وهم أصحاب رساميل بأكثر من تريليون دولار تغذي البنوك الأميركية والغربية، وهم سادة سوق الطاقة العالمي، وهم يستضيفون القواعد الأمريكية العسكرية التي تنطلق منها حملات أميركية لنصرة الكيالن، خصوصا في الحرب على اليمن، هذا إضافة أوراق ضغط على الأميركي نفسه حتى زوال الفيتو الأميركي عن أي قرار ينص على وقف فوري لاطلاق النار واطلاق مسار تفاوضي ينتهي بوقف الحرب نهائيا.

- تحدث الأسد بضعة دقائق، لكنه استعاد بريق خطابات كانت تمتد لساعة كاملة من عيار ما قاله قبيل غزو العراق في خريف 2002، وقال كلاما يعرف صحته كل من استمع إليها، بمن فيهم القادة العرب والمسلمين المشاركون في القمة، وجوهر ما قاله هنا، أن العرب يعرفون انهم على هامش الأحداث بدليل أن الأميركي لا يقيم لهم حسابا في دعمه اللامحدود في جرائم الاحتلال، لأنه واثق من أنهم لا يملكون الا الكلام، وخلاصة كلام الأسد تقول انه لا يكفي أن تكون عملية تشخيص الداء والدواء صحيحة كي تكون النتيجة تعافي المريض، لأن ترجمة استخدام العلاج الموصوف هي الفيصل هنا، وهذا يحتاج الى تحديد الأدوات والوسائل، وهذا ما لم يتم نقاشه في القمة، بما يجعل العرب والمسلمين في حال التغاضي عن الجرائم من جهة، و شركاء في الجريمة من جهة مقابلة.

- عاد الأسد ليكون الحدث في القمم العربية والاسلامية، رغم محاولة استعارة حدث هامشي مثل عدم وجود الرئيس التركي في مقعده عند إلقاء الرئيس الأسد كلمته، لكن الواضح والمعلوم يحتاج الى من يظهره، كما يحتاج الى اضاءة النور من حوله لتطهيره، وقد بقيت الكلمة التي ألقاها الأسد الكلمة الوحيدة الجديرة بالإصغاء والتفكير.

- ما قامت به المقاومة خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية، من تصعيد إطلاق صواريخها بكثافة نحو الكيان، كان جوابا يفهمه الكيان على جرائمه، حتى ظهرت كلمة الرئيس الأسد كأرضية ثقافية فكرية لموقف المقاومة، فقد رمى الأسد الطابة، رغم كثافة عصي اللاعبين، لكنها طابته وحدها أصابت الطابة المستهدفة، والحرب لم تنته حتى لو ظهرت بوادر انهائها مرارا، وهي لن تنتهي إلا بفرض الاحتلال لإرادته بختامها، أو التراجع أمام أوراق قوة جرى تفعيلها بوجهه، متى بلغت قوته مرحلة الإنهاك، والجميع بانتظار هذه اللحظة، ومن دون إقامة نقد ذاتي البحث عن الأسباب المقيدة لإرسال العرب طاباتهم الكثيرة، كانت طلبات المقاومة التي تمثلها صواريخها تحمل معان كثيرة، إذ يكفي الاستنتاج بأن ما قصده الأسد من دعوة لتفعيل وسائل وأدوات الضغط التي تصنع الفرق قد وجد من يسمعه جيدا ويترجمه ويجسده خارج القمة على أيدي المقاومات العربية في لبنان واليمن والعراق، طالما أن جماعة القمة اكتفوا بالتفاعل بالتصفيق مع الكلمة، دون الأخذ بما فيها.

 

 

2024-11-12 | عدد القراءات 47