المرحلة الثانية من الطوفان عالمية
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
- أثار مشهد المواجهات التي شهدتها شوارع العاصمة الهولندية أمستردام، وكان محورها مئات من مشجعي فريق مكابي تل أبيب من المستوطنين الذين جاؤوا من الكيان لتشجيع فريقهم، حيث بات مؤكدا حجم الاستفزازات التي قاموا بها بحق الآلاف من المهاجرين والمقيمين وحملة الجنسية من اصول عربية واسلامية، وصولا الى ما لحق مشجعي فريق تل أبيب من مطاردات في الشوارع والمطاعم والملاهي الليلية، وتحول الحدث إلى خبر أول في العالم، واضطر رئيس حكومة الاحتلال الى ارسال طائرتين لضمان سحب لواء المشجعين من ميدان المنازلة.
- تكرر مشهد أمستردام في أكثر من عاصمة أوروبية بعنوان مختلف، لكن دائما على ايقاع تداعيات طوفان الأقصى، وما تبعه من جرائم وحشية ارتكبها جيش الاحتلال، وخطاب عنصري تحمله جموع المستوطنين بما يبرر قتل الأطفال وينشد أغان من نوع التباهي بشرب الدم وسحق عظام الأطفال، واغتصاب النساء، وتكررت مشاهد موازية في البرلمانات الأوروبية ظهر خلالها نواب أوروبيون يتحدثون عن فلسطين ويحملون حكوماتهم مسؤولية الشراكة في جرائم الاحتلال، بالصمت أو الدعم.
- تلاقت هذه الحركات الغاضبة مع التيار الطلابي الذي ملأ ساحات الجامعات الأميركية والأوروبية على خلفية عدم القدرة على تقبل مشاهد كارثية في تاريخ الانسانية حملتها صورة المذابح الاجرامية بحق النساء والأطفال، فيما العالم صامت لا يتحرك، وإن فعل شيئا كان سقفه تمنيات على قيادة الكيان كي يقتلوا أقل منعا لتفاقم الغضب، وظهر الخط البياني لطريقة ترجمة الغضب إلى تصاعد، من اعتصام الطلاب، إلى مسيرات الناشطين، الى بيانات تدعو الى حجب الأسلحة عن جيش الاحتلال منعا للشراكة في جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها، كما فعل نواب بريطانيون و بلجيكيون وفرنسيون وألمان اتهموا حكوماتهم بالشراكة في ارتكاب الجرائم، وتوج ذلك كله بمشهد أمستردام الغاضب.
- يتم التداول يوميا بعشرات التسجيلات المصورة التي تظهر صدامات تبدو منعزلة عن بعضها، بين جماعات منظمة للدفاع عن الاحتلال، يتصرفون بطريقة عدائية ضد المتضامنين مع مظلومية شعب فلسطين، والذين ينادون بوقف الحرب ووقف تسليح جيش الاحتلال، وشيئا فشيئا يتشكل شارع عالمي غاضب، ربما تكون نواته من المهاجرين من اصول عربية واسلامية، لكنه شارع يضم في صفوفه العديد من نشطاء الغرب، وبعض نجومه في مجالات الثقافة والفنون، ووراءهم آلاف الطلاب والشباب.
- ربما لم يجد قادة الكيان في ما جري حدثا يستحق التأمل، لأن التفسير الجاهز هو الحديث عن العداء للسامية، وليس مستغربا توصيف هذا الغضب كجزء من مؤامرة إيرانية، وهو وصف لم يتردد نتنياهو في إطلاقه على طلاب الجامعات الأميركية، وبدلا من التوقف مليا أمام الرسالة العالمية الجديدة، التي تقول ان الكيان صار منبوذا ومصدر شعور بالخزي لكل من يتعامل معه تجاريا او علميا وثقافيا وفنيا، ذهب الكيان وقادته الى المزيد من القتل في غزة ولبنان، مؤكدا انه لايفهم الا لغة القوة، ليس في الميدان العسكري في غزة ولبنان فقط، بحيث صار الانفجار أقرب.
- نحن عشية ظهور نسخة ثانية من الطوفان، هي مرحلة ثانية، ساحتها عواصم العالم، حيث يتعرض للملاحقة الغاضبة لجموع بشرية بالآلاف وعشرات الألوف، عقب مناسبات رياضية أو بدونها، ولا يجب ان يتفاجأ قادة الكيان اذا شاهدوا حراكا يوميا لمطاردة مستوطني الكيان خلال سفراتهم السياحية، وملاحقة أي زيارة يقوم بها جنود وضباط الاحتلال الى عواصم العالم ومدنه، وهذا معنى قرار نتنياهو منع الضباط والجنود من السفر إلى هولندا، تفاديا للتعرض للملاحقة، والملاحقات القضائية لن تتأخر كي تصبح الملاحقة الغاضبة دموية.
- الحكومات الداعمة للكيان في الغرب عاجزة عن منع المزيد من الظواهر الغاضبة، وعاجزة عن حماية المستوطنين والجنود والضباط في جيش الاحتلال خلال إجازاتهم، ولن يتأخر الوقت الذي تصبح فيه مشاهد أمستردام عالمية وتتحول روتينا يوميا يتكرر، ويجد المنتسبون إلى الديانة اليهودية في العالم أن امنهم بات مرتبطا بإعلان التبرؤ من الكيان وجرائمه، لأن الذي يجري لا صلة له بكراهية مزعومة لأتباع الديانة اليهودية، بل لما تكشفت عنه هذه الحرب الإجرامية من بشاعة لا تحتمل، ولا يمكن لها أن تمر بلا ردة فعل بشرية إنسانية، تشبه ردة الفعل على المحرقة التي يتحدث عنها اليهود كنقطة سوداء في تاريخ البشرية، والمقصود طبعا تاريخ الغرب، لكنها صارت نقطة رمادية في بحر السواد الذي صنعه المستوطنون وجيشهم في غزة ولبنان.
2024-11-14 | عدد القراءات 33