نقاط ع الحروف 22/11/2024

قرار المحكمة والأبعاد أكبر من التنفيذ

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

- بعد ستة شهور من طلب المدعي العام، ومناقشة قرابة خمسين مراجعة من كيان الاحتلال وعدد من الدول الغربية، قررت المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرتي توقيف بحق كل من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه المعزول يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الانسانية، ولا يغير من قيمة القرار ان تصدر مذكرة بلا قيمة سياسية او تنفيذية بحق القائد محمد ضيف، بعدما سقطت الملاحقات بحق كل من الشهيدين القائدين اسماعيل هنية ويحيى السنوار، فكما قال أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي، هذه محكمة أنشأت لملاحقة قادة الجنوب والشرق، وطبيعي أن تلاحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقائدة اسماعيل هنية ويحيى السنوار ومحمد ضيف، والحدث هو ملاحقة بنيامين نتنياهو.

- الملاحظة الأولى الواجبة التسجيل هي أن هذه المحكمة تم تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية لملاحقة قادة الحرب النازيين خصوصا على خلفية الجرائم المرتكبة بحق اليهود الأوروبيين وبصورة أخص ما عرف باسم المحرقة والاعدامات الجماعية في غرق الغاز، وهي اليوم تلاحق حفيد ضحايا المحرقة بجرم محرقة القرن الواحد والعشرين التي يرتكبها مع أقرانه من ذات صمف الأحفاد بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة، وهذه عبرة تاريخية هامة، تقول ان زمن الحماية التي وفرتها المحرقة للتغاضي عن جرائم ومجازر ومحارق كيان الاحتلال قد انتهى، وأن هذا الكيان القائم على جريمة أصلية هي التنكيل بالسكان الأصليين لفلسطين واجبارهم على مغادرة بلادهم وبيوتهم وأرزاقهم، وأن غطاء المحرقة والحديث عن ضحايا المحرقة لم يعد يشكل جدار حصانة يحمي الطيان من الملاحقة على جرائمه التي تجاوزت وفظائعها بأضعاف جرائم وفظائع ما ترويه السردية الإسرائيلية عن المحرقة.

- الملاحظة الثانية أن هذا القرار صدر بالرغم من مساعي أغلب الحكومات الغربية لثني القضاة عن إصداره، وتقديم بعضهم مطالعات قانونية لصالح عدم السير بالملاحقة، وان الموقف الأميركي الوقح صدر عن الرئيس جو بايدن وإدارته، والرئيس المنتخب دونالد ترامب ومعاونيه، وعن أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ تهدد القضاة بالعقوبات والملاحقة أميركيا، وأن الموساد بدأ بحرب تشهير بحق المدعي العام، وهدد القضاة بما هو أفظع أن صدر القرار، ورغم ذلك صدر القرار، ليكون امتدادا للثورة التي شهدها الرأي العام العالمي انتصارا للمظلومية الفلسطينية الممتدة منذ أكثر من 76 سنة والمتفجرة بصورة دموية لا يحتملها عقل بشري منذ أكثر من سنة، وقد انفجر الرأي العالمي غاضبا في الجامعات والشوارع، ووصل إلى عائلات القضاة وبيوتهم وصداقاتهم، وشكل لهم تحديا ضميريا بين مسؤوليتهم القانونية والأخلاقية، والمصالح الشخصية، وقد اختاروا أمام محكمة التاريخ ان يكونوا محكمة الرأي العام، الذي ضاق ذرعا بهذا الامتياز الممنوح من الغرب الاستعماري لكيان الاحتلال بأن يبقى وسيبقى قادته خارج القانون الدولي ينجون من أي عقاب واي ملاحقة.

- الملاحظة الثالثة أن حضور الرأي العام وراء القرار امتد ليشمل الحكومات التي سبق ودعت القضاة لصرف النظر عن القرار، فوجدت أنها مجبرة على الإعلان عن الاستجابة للقرار، واحترام ما صدر عن المحكمة، وهذا يعني أن الكيان يشعر للمرة الأولى أنه ملاحق وانه معزول، وأنه مذموم، وهذا يعني ان تهمة العداء للسامية التي كانت جاهزة لممارسة الإرهاب الفكري والقانوني على كل من ينتقد كيان الاحتلال وقادته، وقد شهدت أوروبا خصوصا الكثير من الملاحقات تجري تحت هذا العنوان بحق فلاسفة ومثقفين وناشطين، وفي الرد على القرار لم يجد الكيان إلا استعادة توجيه هذه التهمة بحق المحكمة وقضاتها، لكنه لم ينتبه انها مثلها مثل سدرية المحرقة باتت كعبوة منتهية الصلاحية بعدما استخدمت بإفراط يكفي لإحالتها على التقاعد.

- الملاحظة الرابعة هي أنه بمعزل عن الجانب التنفيذي للقرار، فإن ما سوف يتفرع عنه من ملاحقات بدأت بدعاوى أمام المحاكم الأوروبية بحق ضباط ومسؤولين في الكيان بلوائح بمئات الأسماء من المتورطين في جرائم الحرب والجرائم بحق الإنسانية وجرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، يقول إن حال العزلة سوف تلاحق كل ما به صلة بالكيان، وان زمن التباهي بحمل جنسية الكيان تحول الى شعور بالخزي وان صفة "الاسرائيلي" صارت لصيقة بصفة المجرم، وان المستوطن من أصول أوروبية سوف يجد أن جنسيته الأصلية عادت ملاذه الآمن، لا الجنسية المستحدثة، ولعل ما جرى من أحداث عنف في شوارع أمستردام وبعدها في خلو مدرجات ملعب باريس مع حضور فريق ماكابي تل أبيب إلى العاصمتين، اشارة الى مرحلة جديدة سوف يختبرها الذين يحملون جنسية الكيان، الذين لم يعودوا بنظر شعوب أوروبا امتدادا غربيا في الشرق بل نموذجا للجريمة، وأن على حاملي هذه الحنسية الراغبين بالتخلص من هذه اللعنة المسارعة لمغادرة الكيان واسترداد جنسيتهم ومواطنيتهم الأصلية، خصوصا ان الكيان فقد فرصته بمنحهم الأمن والرفاه.

- الملاحظة الخامسة هي أن عرب التطبيع والعلاقات الدبلوماسية مع الكيان، هم الآن آخر من بقي يمنح هذا الكيان مكانة لا تليق به، فهو كيان مجرم وقادته ملاحقون كمجرمي حرب، أمام أعلى محكمة دولية قام الغرب الذي يعتبرونه قمة الحضارة العالمية بتأسيسها، وأن على هؤلاء العرب ان ينظروا في المرآة ويسألوا أنفسهم عن معنى الخجل ومعنى الغضب، بل ان يمارسوا التبعية وفق اصولها ما داموا قد ذهبوا الى التطبيع على مذهب دول الغرب فليذهبوا الى العكس تقليدا إن لم يكن بالأصالة، و ليتساءلوا بمعيار المصلحة عن سبب واحد للاحتفاظ بعلاقتهم بالكيان، وقد صارت هذه العلاقات عارا انسانيا ان كانت روابط العروبة والإسلام قد فقدت أي قيمة لها عندهم.

 

 

2024-11-22 | عدد القراءات 49