في السادس من آب قام الآلاف من قوات النخبة الأوكرانية مزوّدين بأحدث الأسلحة الغربية تواكبهم الاستخبارات الغربيّة عن كثب، باختراق في الأراضي الروسية نحو مقاطعة كورسك وتوغّلوا في مساحة تتراوح بين 800 – 1000 كلم مربع، واعتبرت واشنطن أن السبب في ذلك هو عناد الرئيس الروسي وإصراره على الحل العسكري، في كلام يشبه التعليق الأميركي على اندفاعة جبهة النصرة المصنّفة تنظيماً إرهابياً في واشنطن، داخل محافظتي حلب وإدلب ودخولها إلى مدينة حلب، بتحميل واشنطن مسؤولية ما جرى للرئيس الروسي بشار الأسد. وبينما قال الرئيس الأوكراني إن العملية تتيح مفاوضات للمقايضة الجغرافية مع روسيا، دعت واشنطن موسكو للتراجع عن الخيار العسكريّ في أوكرانيا، وبالمثل قالت تركيا عن ما جرى في حلب إن الدولة السوريّة تتحمّل مسؤولية ما جرى بسبب لجوئها إلى الخيار العسكري في إدلب وتلكئها عن الحل السياسي.
– في الثاني من أيلول تحدّث رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في كلمة خصّصها لشرح أهمية محور فيلادلفيا في حرب غزة، فقال: «تحدثت عن أهمية محور فيلادلفيا قبل 20 عاماً». وأضاف أن المحور لم يتم الاستيلاء عليه منذ سنوات لأنه «لم تكن هناك شرعية دولية أو وطنية لاحتلال غزة والاستيلاء على رفح». وزاد نتنياهو أن «محور الشر يحتاج إلى محور فيلادلفيا، وللسبب نفسه يجب علينا السيطرة عليه». وأضاف: «تحقيق أهداف الحرب يمرّ عبر محور فيلادلفيا ولن ننسحب من هناك»، وعلّق بالأمس المسؤولِ السابقِ في شُعبةِ التخطيطِ في الجيشِ الصهيوني الجنرال عميت ياغور، على عملية حلب فقال: إنَ السيطرةَ على فيلادلفيا كانت لمنعِ إيصالِ السلاحِ إلى المقاومةِ الفلسطينية، وكذلك الحالُ بسيطرةِ المسلحينَ في سورية لمنعِ وصولِ السلاحِ إلى المقاومةِ اللبنانية.
– فشل هجوم كورسك في تحقيق الأهداف ونجحت روسيا باحتوائه بداية ومواصلة هجماتها في شرق أوكرانيا، ثم انتقلت إلى حصاره وصولاً لبدء تفكيكه، لكنه فشل في تشكيل الضغط المطلوب لدفع القيادة الروسية إلى تغيير خطتها في حرب أوكرانيا وخفض سقفها التفاوضيّ، وسقطت المقايضة الجغرافية التي تحدّث عنها الرئيس الأوكراني، وبالمقابل بعد شهور طويلة من الحرب في ظل سيطرة جيش الاحتلال على ممر فيلادلفيا تواصل المقاومة في غزة حربها بقوة وشراسة ومهارة، ولم يظهر أن لسيطرة الاحتلال على المحور أي تأثير على قدرة المقاومة وفعاليتها.
في سورية لا يمكن لعاقل أن يتوقع القدرة على مفاوضة الرئيس الأسد على مقايضة انسحاب الجماعات الإرهابية من حلب مقابل الصمت عن بقائها في إدلب، لأن وحدة الأراضي السوريّة والسيادة الوطنية عليها أمر مقدّس غير قابل للتفاوض، فتوهّم أن حلب هي كورسك، سيؤدي إلى اكتشاف أنه كما فشلت عمليّة كورسك سوف تفشل عملية حلب، أما الرهان بجعل عمليّة حلب محور فيلادلفيا الرديف يعني أحد ثلاثة أمور، استخدام احتلال حلب للمفاوضة على تغيير موقف الدولة السورية من المقاومة، وهذا سراب جرى اختباره مراراً دون جدوى. والأمر الثاني هو التقدم بالقوى المهاجمة نحو السيطرة على الحدود السورية العراقية وهذا يفوق طاقتها ويستنفر قدرات عراقية معنية بوضع حد لتمدّد الإرهاب مجدداً نحو الأراضي العراقية، أما الثالث فهو الاتجاه للسيطرة على حمص بعد حماة، وقطع طريق دمشق، وهذا من المستحيلات التي لم تنجح هذه الجماعات بتحقيقه وهي في أفضل أحوالها وذروة صعودها.
– الفضيحة هي في مواقف واشنطن التي تصنف جبهة النصرة إرهابية، وتركيا التي تشترك بمسار أستانة، والجماعات المعارضة التي ارتضت قيادة جبهة النصرة لعملية لن تغيّر شيئاً على الصعيد الاستراتيجي، وكل وظيفتها خطف الأضواء عن غزة، التي تعيش مذبحة مفتوحة. وبعكس ما جرى قبل عشر سنوات، لم يجرؤ أحد على إعلان دعم هذه الحركة، والموقف العربي والدولي تغيّر كثيراً، والسوريون المتعبون من العقوبات الأميركية التي أسست للتمهيد لهذا الهجوم، يجدون أنفسهم بعدما تعرّفوا عن قرب على حقيقة مشروع هذه الجامعات وثقافتها ونظرتها للتعدّد الاجتماعي السوري، مجبرين على خوض معركة وحدة بلادهم وسيادتها، وراء جيشهم ودولتهم ورئيسهم، ومعهم حلفاء مخلصون لن يدعوا سورية وحدها، بينما سوف يجبر الذين أوهموا هذه الجماعات بدعمها، على التخلي عنها بسبب محدودية ما تستطيع إنجازه مقابل الكلفة العالية لإعلان تأييد هذه التشكيلات الإرهابية، والدخول بصدامات إقليمية ودولية تعاكس مصالحها.
2024-12-02 | عدد القراءات 234