فور إعلان بغداد موافقتها على إنشاء مركز المعلومات المشترك مع سوريا وروسيا وإيران في بغداد علق المستشارون الأمريكيون عملهم وتغيبوا عن غرف العمليات العراقية المشتركة لمحاربة تنظيم (داعش) بانتظار أوامر جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية , والتي لم تخفي امتعاضها من تحالف العراق مع روسيا خشية من توسيع عمليات موسكو بمواجهة الإرهاب لتشمل الأراضي العراقية.
توجس واشنطن المشروع في مكانه يضعها بين مقصلتين , الأولى لإدراكها بأن التنسيق لا يمكن أن يقف عند حدود تبادل المعلومات والعمل الاستخباراتي الذي بات بلا فائدة , بل منقوصاً ما لم تتبعه عمليات عسكرية في العمق العراقي كونه يمنح التنظيم فرصة الهروب نحو منفذ آمن من الغارات الروسية باتجاه العراق , ولعل تصريحات رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية العراقية حاكم الزاملي التي أشار فيها إلى أن بغداد قد تضطر للطلب من روسيا توجيه ضربات جوية في العراق زادت في هواجس واشنطمن , سرعان ما اعتبرت الخارجية الأميركية أن تلك الدعوات لا تمثل الحكومة العراقية التي أعلنت دعمها التحالف الرباعي بوجه "داعش" دون أي إضافات.
أما المقصلة الثانية فتكمن نتيجة لتخوف واشنطن من التعاون العراقي الروسي وإدراكها نتائج سياساتها الكارثية على الأرض العراقية منذ احتلالها بغداد عام 2002 والتي حولت العراق لمجرد محطة نفط كبيرة خاضعة للاستثمار الأميركي في وقت أشعلت العراق في حروب طاحنة أوصلته لحافة الانهيار قبل سحب قواتها مطلع العام الماضي , فيما رسخت واشنطن قواعد عمل عهد الاحتلال بعد الانسحاب بالتعاطي مع الحكومة العراقية في الملفات المصيرية والأمنية منها ،خاصة بما يتعلق بإعداد الجيش العراقي الذي تولت وزارة الدفاع الأميركية ووكالة استخباراتها المركزية خفض ترتيبه من خامس أقوى جيش في العالم الـى المركز الثامن والستين عالمياً عام 2014 وذلك قبل ظهور تنظيم داعش الذي تمكن بمساعدة تركية سعودية واضحة السيطرة على محافظة الموصل خلال ساعات , وكشف حقيقة الجيش الذي دربه وأعده البنتاغون بهروب عناصره وتسليم التنظيم عتادهم المتهالك ،الذي رفضت واشنطن إتمام تنفيذ صفقات تسليحه ،في وقت تمكنت هيئة التصنيع العسكري التابعة له قبل الغزو الأميركي من تطوير الأسلحة البرية والجوية ،ولا يمكن نسيان عرقلة الأميركي جهود الحكومة العراقية إبرام صفقات التسليح مع روسيا ,ولولا قوات الحشد الشعبي والدعم الإيراني وجهود العشائر لسيطر التنظيم على معظم الأراضي العراقية.
لدى العراقيين مئات الأسباب التي تدفعهم ليديروا ظهورهم للسيد الأميركي الذي لم يجلب لهم سوى الحروب والموت منذ عهد صدام حسين إلى زمان داعش , وتحويلهم من حالة الرغد الاقتصادي والاجتماعي إلى مستفيدين من برامج الأمم المتحدة للأغذية ،يقفون في طوابير الذل للحصول على حفنة طحين ،فتبدو الفرصة سانحة للتخلص من لعنة الولايات المتحدة والانضمام لحلف يضمن لبلادهم الأمن بمواجهة حقيقية للتنظيمات الإرهابية ،ويوفر لهم فرصة ذهبية بضمان علاقات اقتصادية قائمة على التكامل والاحترام بدلاً من الجشع الأميركي.
في لحظة تبدو موازين القوة الإقليمية واضحة المعالم وملامح الخيارات السياسية مرسومة بين موسكو وطهران ,لن تفوت بغداد فرصة الانضمام لحلف الرابحين ولن تغامر بالتورط والاصطفاف مع محور يغرق في المستنقع الإقليمي ،فأي فائدة تجنيها بغداد بالتحالف مع أنقرة والرياض غير القادرتين على حماية دولهما ،في وقت يدرك القاصي والداني أن الأميركي لن يمد لأتباعه الغارقين طوق النجاة بل سيستثمر سقوطهم على طاولة المفاوضات.
بغداد لن تكرر أخطاء الحرب الباردة وستطوي صفحة حلفها المشؤوم إلى الأبد ،وتعلن استدارة بلاد الرافدين صوب المشرق فما بين النهرين لن يكون يوماً سوى مشرقي الهوى عربي الهوية.
2015-10-08 | عدد القراءات 2061