رغم تعدد النظريات التي حاولت أن تقدم تفسيراً لسقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية أواخر القرن الرابع، بعد ما يقارب 500 عام من التربع على عرش القوة في العالم ثمة إجماع على الدور الكبير للفشل العسكري والاقتصادي في سقوطها بالإضافة لصعود شق الإمبراطورية الشرقي في أواخر القرن الثالث على حساب النصف الغربي ،حيث نمت ثروة القسطنطينية بالتزامن مع انحدار الشطر الغربي عقب الأزمة الاقتصادية ومما سرع في سقوط روما حيث تزامن تعرضها للهجوم من القوى الخارجية مع أزمة مالية حادة سببتها الحروب المستمرة و الإسراف في الإنفاق الذين أفرغا خزائن الإمبراطورية ما دفعها لفرض الضرائب الجائرة ما وسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء وافقد الامبراطورية الأيدي العاملة لاعتماد اقتصادها على العبيد الذي توفره الحملات العسكرية وغزو الشعوب.
ولان التاريخ يعيد ذاته فقد استقبل العالم تسعينيات القرن الماضي بسقوط الاتحاد السوفيتي بعد الفشل في الحفاظ على التوازن العسكري مع الولايات المتحدة واليد الأميركية الخفية في إسقاطه سواء عبر حروب أفغانستان والعراق أو تهيئة واشنطن لجملة من العوامل الاقتصادية المواتية لتفريغ إمبراطورية الاتحاد السوفيتي من الداخل ، وتغير موازين القوى الدولية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وتفردت واشنطن بسياسات العالم وألحقت دول الغرب بنسب متفاوتة في سياساتها مع التركيز على التبعية الاقتصادية لدول أوروبا التي تباينت مفاعيل الدور الأميركي بين التقسيم والتبعية المعلنة كحال فرنسا فبعد عقود من التغني بالفرانكفونية كنهج ثقافي يتجاوز تقاسم اللغة إلى الاشتراك في القيم الإنسانية الفرنسية فكانت فرنسا ديغول تتحول إلى شركة استثمارات سعودية يديرها البلاط السعودي في عهد شيراك وساركوزي قبل أن تتحول للحظيرة القطرية بعهد هولاند بعد انضمام الدوحة عام 2012 لمنظمة الدول الفرانكفونية بصفة "دولة شريكة" دون المرور بمرحلة "العضو المراقب"، وما أثار دخولها من جدل كونها ليست دولة فرانكفونية ولعل تفسير الرئيس الفرنسي بأن الفرانكفونية لا تقتصر على اللغة بل تعني احترام حقوق الإنسان كذلك يثير من الجدل أضعاف ما أثارته الخطوة بحد ذاتها نظراً لسجل الدوحة الحافل بغياب أدنى معايير احترام حقوق الانسان العالمية.
لم يجرؤ هولاند على الاعتراف بأن الانضمام غطاء لصفقة لا تمت للحضارة والثقافة وحقوق الإنسان بصلة بل مشروع يتجاوز مخاوف الأعضاء في المنظمة
من رعاية قطرية لمدارس دينية ويصل للتورط في مشاريع إسقاط دول تتجاوز حدود سورية وليبيا والعراق واليمن ليصل إلى مالي والجزائر.
تورطت سياسة فرنسا بالمشاريع السعودية القطرية ورهنت سياساتها لأموالها وخاضت حروباً بالوكالة في ليبيا وسورية ما أفقدها دورها القيادي وتحولت الدولة العظمى إلى تابع خليجي وهو ما قرأته موسكو جيداً وعملت على إظهاره واستثماره في الحراك السياسي المتعلق بسورية فكانت الدعوة والموافقة المتأخرة لحضور اجتماع فيينا بعد ضمان موسكو مشاركة إيران ومصر وبعد الحضور الهزيل لعشاء عمل باريس الذي أعلن وزير الخارجية الروسي عدم علمه به أو تلقيه أي دعوة.
تراجع الدور السياسي يرافقه تراجع اقتصادي فقد حذر مركز البحوث الاقتصادية والأعمال فرنسا من تراجع اقتصاد باريس بحلول عام 2016 ليحتل المرتبة التاسعة في قائمة الدول الاقتصادية العشرة الكبرى في العالم بدلا من المركز الخامس الذي تحتله حاليا مقابل صعود الاقتصاد الروسي بحلول عام 2020 ليحتل المركز الرابع من حيث الشكل تتشابه الظروف التي تواجهها باريس ما مرت به روما قبل قرون فهل يصيب الصعود السياسي والعسكري والاقتصادي الروسي القادم من الشرق في مقتل المستقبل الفرنسي وترد دمشق لباريس الصاع صاعين فالأرض التي جعلت من فرنسا دولة غازية يسطر أبناؤها ملاحم نصرهم الحديث ويقرؤون الفاتحة على مستقبل أحفاد غورو .... من الرومانية إلى الفرانكفونية الحروب تسقط دولاً وحضارات .
2015-10-28 | عدد القراءات 2323