كان قيام السعوديين بقطع علاقاتهم مع إيران برأيهم مدخلا لكرة ثلج ستتعاظم وصولا لحد فرض العزلة الديبلوماسية على طهران ، وإعادتها إلى مربع ما قبل التوقيع على التفاهم حول ملفها النووي ، حيث يؤكد قادة خليجيون أن حكوماتهم سمعت لوما وعتبا وتقريعا من السعودية لإكتفائها ببيان تنديد بما شهدته البعثة الديبلوماسية السعودية في طهران ، وجرت مطالبتهم بوضوح بقطع العلاقات ومساومتهم على البدائل عندما أصروا على عدم مجارة لارياض بدعوتها ، فمنهم من ذهب لتخفيض مستوى التمثيل ومنهم من إستدعى السفير الإيراني لإبلاغه الإحتجاج ومنهم من إستدعى سفيره من طهران للتشاور ، وهذه الخطوات المسماة ديبلوماسيا بإجراءات رفع العتب ، ليست بالتأكيد ما كانت تريده الرياض من حكومات طالما كانت تعتبرها ، حديقتها الخلفية ، ولا يعد تجاوب دول متسولة لموزانتها أو لأمن حكامها كالسودان أو جيبوتي أو البحرين ، إلا التعبير الأدق عن الوزن الحقيقي للسعودية بعد تربعها لثلاثة عقود على عرش الزعامة العربية . ولم يكن السعوديون يتوقعون أن حصاد مالهم وحروبهم وديبلوماسيتهم سيكون هزيلا على المستوى الخليجي إلى هذا الحد ، وعلى المستوى العربي إلى حد مهين مثله ، لكن المفاجئ أكثر لهم كان الموقف الذي صدر عن كل من وزراء خارجية أميركا وتركيا وباكستان ، والحساب السعودي كان في أقل تقدير إعلان التضامن ، والإكتفاء بالتنديد بما جرى في طهران ومشهد ، دون التطرق لإعدام الشيخ نمر النمر من موقع الإدانة أو عدم الرضا ، وبالتأكيد لم يخطر في خيال حكام الرياض أن تعلن حكومات تعتبرها سندا خلفيا لها ، أنها تنظر بإنزعاج لتوتر العلاقة بين دولتين صديقتين ، وأنها مستعدة للوساطة بينهما ، فتصير إيران المعتبرة عدوا تريد السعودية تعبئة الجهود والمناخات ضده ، في مكانة مساوية للسعودية التي تنظر لنفسها كإبن مدلل في واشنطن وأب له مهابته لدى حكام تركيا وباكستان . لم يمر وقت طويل ليظهر الهدف الحقيقي للسعودية من الحملة ، التي قادوها ضد إيران ، عندما ظهرت في أروقة منظمة المؤتمر الإسلامي دعوة سعودية لطرد إيران ، هي التي فسرت الموقفين التركي والباكستاني ، في رسالة رفض للمشاركة في مسار ، لا تريد واشنطن ان تسمح للرياض بفرضه عليها ، مسار العودة إلى ما قبل التفاهم حول الملف النووي مع غيران وما قبل القرار الأممي حول سوريا ، ولذلك كان الموقف الأميركي المعلن تباعا ، لا تأثير للتوتر السعودي الإيراني على موعد جنيف الخاص بسوريا ، والإجراءات الخاصة بتطبيق التفاهم حول الملف النووي الإيراني ستخرج إلى النور تباعا . في الحصيلة لم تفلح السعودية بحفظ مهابتها كصورة قديمة في الذاكرة ، فأصرت على تظهير صورتها الجديدة لينكشف الهزال الذي يصيب مكانتها ، والأهم أنها لم تفلح في وقف مسارات التفاهمات التي جمعت واشنطن وإيران حول الملف النووي وستفضي خلال أيام إلى تدفق مئة وخمسين مليار دولار إلى الخزينةالإيرانية ، ولكنها فوق ذلك لم تفلح في إعادة مناقشة ملف التنظيمات الإرهابية في سوريا وإطاحة ما إتفق عليه الروس والأميركيين بصدد الجماعات المسلحة التي ترعاها السعودية بإعتبارهم إرهابا وفي مقدمتهم جيش زهران علوش الذي بكته السعودية وإعتبرته معارضا سلميا يوم قتل ، وفي المقدمة لم تفلح السعودية في إعادة فتح النقاش حول مكانة الرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل سوريا . هكذا خسرت السعودية الجولة ، ويدبو أنها آخر جولات الحرب .
2016-01-09 | عدد القراءات 4515