كتب المحرّر السياسي
يختتم وزير الخارجية الأميركي جون كيري مدعوماً من رئيسين أميركيين، رئيس يستعدّ للرحيل وآخر يستعدّ لتسلّم السلطة، زيارة مسقط بإنجاز تفاهم على إطلاق مسار الحلّ السياسي ووقف الحرب في اليمن، بربط الخطوات الأمنية بتنحّي منصور هادي من منصب الرئاسة لنائب رئيس يتفق عليه، يرجح أن يكون رئيس الحكومة الأسبق أبو بكر القربي، وتتضمّن الخطوات الأمنية ربط وقف النار بوقف الغارات السعودية وبدء إجراءات فك الحصار بفتح مطار صنعاء أمام الملاحة، ووفقاً لمصادر متابعة من مسقط فإنّ السعودية تتعامل مع فشل المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، كسبب كافٍ لوقف الرهان على تمديد الحرب، بانتظار تغييرات في السياسة الأميركية، بعدما صار أكيداً مع وصول دونالد ترامب أنّ ما يتصل بلغة الحرب في سورية واليمن، ليس على جدول أعمال الإدارة الأميركية الجديدة.
القراءة السعودية للسياسات الأميركية، التي أملت التفاعل مع مبادرة كيري، تشبه القراءة الروسية التي أملت إعلان الساعة الصفر لدخول الأسطول الروسي على خط الحرب على الجماعات المسلحة في مساحة تضمّ محافظات حلب وحماة وحمص وإدلب، حيث بدأت منذ ظهر أمس الصواريخ النوعية بالتساقط على مقار جبهة النصرة والجماعات المنضوية تحت لوائها.
في لبنان تتواصل المشاورات والاتصالات لإنجاز تشكيل حكومة العهد الأولى قبل عيد الاستقلال، وفي آخر ما حملته المعلومات شبه حسم لرسوّ التشيكلة المعتمدة على صيغة الأربعة وعشرين وزيراً، بعدما جرى ترتيب توزيع الحصص الوزارية بما يتيح تمثيل تيار المردة وحزب الكتائب، وبعدما أبلغ النائب وليد جنبلاط موافقته على بقاء النائب طلال إرسلان ضمن حصته، ولو صارت وزيرين بدلاً من ثلاثة، وصار التوقف أمام مساعٍ لإبعاد الحزب السوري القومي الاجتماعي عن التشكيلة الوزارية، يقابلها تمسّك من حلفاء الحزب، من دون حسم نهائي للأمر، بينما منحت «القوات اللبنانية» ترضية لتخلّيها عن حقيبة سيادية، بتسمية الوزير السابق إبراهيم نجار نائباً لرئيس الحكومة، مع حقيبتين خدميتين.
على إيقاع الأحداث الجارية في المنطقة وفي لبنان يحيي الحزب السوري القومي الإجتماعي عيد التأسيس، بحفل استقبال حاشد يقيمه بعد ظهر اليوم، يُتوقع أن يكون تظاهرة يؤكد خلالها القوميون بوفودهم الآتية من كلّ المناطق، تمسكهم بنهجهم المقاوم للاحتلال والإرهاب، حيث سدّدوا فواتير الدم ويسدّدون، ولا يزالون، بينما يكشف النظام السياسي تشوّهاته وأمراضه بتوزّع الخطاب السياسي الطائفي المريض بين النأي بالنفس، والطعن بخيار المقاومة، والمفارقة أنّ على القوميين في عيدهم أن يقفوا مع قيام الدولة ونهوضها، مستبشرين يحدوهم التفاؤل مع انتخاب رئيس للجمهورية متمسّك بنهج المقاومة وبالسير قدماً نحو تحديث الدولة، بينما يتعرّض حزبهم لمحاولات الإقصاء عن حكومة العهد الأولى إرضاء للقوى التي شاركت الاحتلال وامتدحت الإرهاب، ليكون احتفالهم بالعيد صرخة بوجه الإقصاء، كما هو عهد مواصلة طريق المقاومة وبذل الشهداء الذين لم يتوقف شلال دمائهم، وهو مستمرّ متصل من بيروت تنتفض على عصر الاحتلال إلى حلب العصية على أحلاف الإرهاب.
حكومة قبل الاستقلال؟
لم تجزم مصادر مطلعة في تيار المستقبل ولادة الحكومة قبل عيد الاستقلال، وأشارت لـ «البناء» الى أن «الرئيس المكلف سعد الحريري مرتاح الى مسار التسوية الرئاسية والى تعاون الأطراف في عملية تأليف الحكومة التي لا تعترضها عقد أساسية ومستعصية»، لكنها أوضحت أن «الحريري غير ملزم بمهلة معينة للتشكيل بل يعمل على تذليل العقد وقد تأخذ مزيداً من الوقت ربما يتعدى عيد الاستقلال ولا يعني ذلك فشلاً أو نكسة للعهد».
ولفتت المصادر الى أن «عدد الوزارات التي سينالها تيار المستقبل حسمت، لكن نوعية الحقائب لم تحسم بعد باستثناء الداخلية للوزير نهاد المشنوق»، مشيرة الى أن «النقاش يدور على حقائب الاتصالات والطاقة والأشغال والصحة».
وقالت مصادر أخرى لـ «البناء» إنه «يجري البحث بمخارج عدة للعقد القائمة، وهناك تقدّم على هذا الصعيد خلال اليومين الماضيين»، مرجّحة أن يتمّ التعويض عن الحقيبة السيادية لحزب القوات بحقائب نوعية والتفاهم بينها وبين التيار الوطني الحر على اسم لنائب رئيس الحكومة والاسم المطروح هو الدكتور إبراهيم نجار». واستبعدت المصادر أن يبقى الوزير سمير مقبل في منصب نائب رئيس الحكومة لأنه محسوب على الرئيس ميشال سليمان لا سيما أن هناك إصراراً من التيار والقوات على حصر الحصة المسيحية بالحزبين أو بالمقرّبين منهما».
وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إنّ «مسار تأليف الحكومة يسير بشكلٍ طبيعي وباتجاه تذليل بعض العقد»، مشيرة الى أنّ عقدة السيادية لحزب القوات قد حلت بتفاهم بين القوات والتيار الوطني الحر على اسم لنائب رئيس الحكومة». وأوضحت المصادر أنه «لم يتمّ الاتفاق على الأحجام، ومعظم الحقائب الأساسية لم يتمّ التفاهم على توزيعها بين القوى السياسية لا سيما الطاقة والاتصالات والأشغال العامة والنقل والصحة، فلا صيغة نهائية واضحة حتى الآن والأمور في إطار التفاهم».
ولفت مصدر في كتلة التنمية والتحرير لـ «البناء» الى أنّ «رغبة رئيسَي الجمهورية والحكومة المكلّفين بأن تكون الحكومة وفقاً لصيغة الـ24 وزيراً»، مؤكدة أن «لا مشكلة لدى رئيس المجلس إذا تمّ التفاهم عليها وضمت كل القوى»، مشدّداً على أنّ «الرئيس بري مصرّ على تمثيل تيار المردة بوزارة أساسية وكذلك الحزب القومي والحزب الديمقراطي»، مشدّدة على أن «العلاقة بين رئيس المجلس والرئيس عون إيجابية».
وأكد المصدر أنّ «أسماء وزراء حركة أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي قد حسمت أما أسماء وزراء تيار المستقبل فشبه محسومة، والنقاش يدور حول الحقائب المسيحية ويجري التفاهم بين القوات والتيار على تقاسم الحصص المسيحية مع وجوب تمثيل الأحزاب والقوى المسيحية الأخرى». متوقعاً أن تبصر الحكومة النور قبل عيد الاستقلال وربما خلال أيام إذا حلت العقد»، ولفت الى أنّ «من مصلحة رئيسي الجمهورية والرئيس المكلّف ألا تطول مدة التأليف بعد عيد الاستقلال، وهناك أمل كبير بتشكيلها قبل هذا الموعد لكن لا زلنا ضمن المهل الطبيعية والرئيس المكلف غير ملزم بتوقيت عيد الاستقلال ولدينا تجربة تشكيل الحكومات التي طال أمد بعضها ثمانية شهور».
وقالت مصادر «قواتية» مطلعة لـ «البناء» إنّ «أغلب العقد التي اعترضت عملية التأليف قد حلّت والحكومة ستولد خلال 48 ساعة»، كاشفة أنّ حكومة الـ 24 وزيراً هي الصيغة التي ستعتمد وعلى أساسها سيتمّ توزيع الحقائب التي بات معظمها شبه محسوم»، وأشارت الى أنّ «الحكومة ستكون جامعة لكلّ القوى السياسية وتراعي التوازنات الطائفية ولا تستبعد أحداً»، ولفتت الى أنّ «عقدة القوات قد حلت، وفضلت انتظار إعلان الحكومة لتظهر صيغة الحلّ».
بينما أكدت مصادر وزارية في حزب الكتائب لـ «البناء» أن «مشاركة الكتائب على المستوى الوطني قد حسمت، لكن تقنياً الأمر ينتظر موافقة المكتب السياسي، لكنها أكدت أنّ هناك إرادة لدى الكتائب للمشاركة في الحكومة الأولى للعهد».
وأكد وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الاعمال ألان حكيم لـ «البناء» أنّ «الكتائب سيتمثل في الحكومة ولا محاولات لعزله بل هناك سوء تفاهم تمّ تضخيمه بين القوات والكتائب فلا أحد يستطيع عزل أحد، لا سيما أنّ عملية تشكيل الحكومة وتحديد التوازنات فيها يعود للرئيس المكلف بينما رئيس الجمهورية مؤتمن على تمثيل كلّ الأطراف وعلى حسن الأداء».
ولفت حكيم الى أنّ «علاقة الكتائب مع رئيس الجمهورية جيدة وموقف الحزب واضح منذ البداية من مسألة الانتخابات الرئاسية التي مرت بثلاث مراحل، الترشيح والانتخاب وما بعد الانتخاب، الأولى والثانية مارست خلالهما الكتائب مبادئها أما الثالثة فنتعامل معها بحسب الأداء».
مشهد القصيْر صدمة لخصوم المقاومة
على صعيد آخر، أثارت مشاهد العرض العسكري الذي أقامه حزب الله منذ أيام في بلدة القصير السورية جملة مواقف وردود أفعال محلية وخارجية لا سيما وأن بعض وسائل الإعلام تناقلت صوراً لآليات عسكرية تابعة للجيش اللبناني خلال العرض، الأمر الذي نفته قيادة الجيش التي أكدت أنّ «الآليات المذكورة ليست من مخزون الجيش اللبناني، وغير عائدة له».
وفيما حاذرت كتلة المستقبل النيابية في بيانها الأسبوع الماضي التصعيد ضدّ حزب الله، برز أمس موقف للكتلة التي اجتمعت في «بيت الوسط» برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، ورأت في العرض العسكري «رسائل يرسلها حزب الله في مختلف الاتجاهات، وأنّ الحزب – يقوم بهذه الخطوة في حدّ ذاتها دلالة على عدم اكتراثه بمصلحة لبنان واللبنانيين، ولا بانطلاقة العهد الرئاسي الجديد»، وشدّدت على «استعادة الدولة دورها وحضورها وهيبتها كما أكد عليها خطاب القسم للرئيس ميشال عون».
وأكدت إليزابيث ترودو، الناطقة باسم الخارجية الأميركية، أنّ واشنطن تحقق في الصور، وأكدت أنّ وقوع معداتها بأيدي الحزب سيكون مصدراً للقلق. ولفتت الى أننا «نعتبر حزب الله منظمة إرهابية ونحتاج لمعرفة المزيد من المعلومات، ولكننا بالطبع سنشعر بالقلق الشديد بحال انتهت تلك المعدات بين يدي حزب الله».
وقالت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» إنّ «خصوم حزب الله في الداخل والخارج صدموا بأنّ العرض العسكري الذي أقامه الحزب لا يُحرج ولا يرهق رئيس الجمهورية، بل تجنّب الحزب أيّ عمل يمكن أن يفسّر في هذا الإطار ما أزعج المجموعة المرتبطة بخدمة المشروع المعادي للمقاومة، وعمدوا الى اختلاق الأوهام لتشويه أداء الحزب»، وسخرت المصادر من بعض الجهات التي تحدثت عن وجود آليات للجيش اللبناني في عرض الحزب، مضيفة بأنّ الآليات التي عرضت في القصيْر لا يملك الجيش منها شيئاً بسبب السياسة العقيمة في التضييق عليه التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة بينما كان هؤلاء يتمنون لو أقام الحزب العرض على الأراضي اللبنانية ليتخذوا ذلك مبرّراً للتهجم على المقاومة».
وأكدت المصادر أنّ «الكلام الداخلي والخارجي ضدّ حزب الله لن يؤثر في مسار التسوية وتشكيل الحكومة وبيانها الوزاري ولا على قرار الولايات المتحدة بتسليح الجيش بل ربما يكون دافعاً لأميركا لتسليح الجيش لإحداث توازن قوى مع حزب الله».
2016-11-16 | عدد القراءات 6708