كتب المحرّر السياسيّ
حملت انتخابات نقابة المحامين مفاجأة تراجع حضور الأحزاب الكبرى في معادلتها الانتخابية لحساب تنافس مرشحين مستقلين في الدورة الثانية، بعدما انسحب مرشح حزب القوات اللبنانية بيار حنا لحساب المرشح المستقلّ ناضر كسبار وتبعه في تأييده كل من التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، ليفوز المرشح المستقل ملحم خلف الذي صوّت له محامو الحزب السوري القومي الاجتماعي وانضمّ للتصويت لحسابه محامو حركة أمل وحزب الله في الدورة الثانية، بعدما منحوا أصواتهم لمرشح أمل علي العبدالله في الدورة الأولى لعضوية مجلس النقابة، فيما تفرّد حزب الكتائب بالإعلان عن تأييد خلف، بصورة استعراضية أرادت الإيحاء بدور كتائبي لا يتناسب مع حجم حضور الحزب في النقابة وتأثيره في نتائج الانتخابات، ليشكل فوز خلف حدثاً سياسياً بامتياز ترافق مع حضور خلف في ساحات الحراك الشعبي واعتباره مرشح الساحات بوجه السلطة وأحزابها.
المشهد النقابي الذي أكد عمق تجذّر التحوّلات التي أشار انفجار الحراك الشعبي لوجودها، رسم سياقاً للتساكن الطويل المتوقع بين الحراك والمؤسسات الدستورية بغياب قدرة أحدهما على تجاهل الآخر، وعجزه عن تحقيق تقدّم بدونه، وهو تقدّم لا يبدو قريباً، في ظل سيطرة شعارات سياسية حوّلت الحراك ورقة ضاغطة في توازنات القوى السياسية التي تتوزّع المناصب والمواقع الدستورية، خصوصاً مع تقديم شعار استقالة الحكومة كفرصة لرئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لتحسين شروط عودته، مستنداً لضغط الحراك باتجاه الإسراع بالاستشارات النيابية وتسمية رئيس مكلّف دون شروط وبالتوازي وجود استثمار توظيفي للحراك في لعبة تعزيز المواقع، بدلاً من الإصغاء للمطالب التي تفجّر طلباً لها، والتي تتركز على السياسات المالية والاقتصادية ومكافحة الفساد، وكلها بنود تناولتها الورقة الإصلاحية للحكومة التي استقال رئيسها معطلاً مفاعيل تطبيقها، مبرّراً الاستقالة بسماع صوت الشارع وتلبية طلباته.
ما شهدته عملية ترشيح الوزير السابق محمد الصفدي وانسحابه قبل الإعلان عن مواعيد الاستشارات النيابية التي كانت مقررة اليوم، أكدت حجم الاستهتار بمعاناة الناس وتحويلها إلى أدوات ضغط في اللعبة السياسية، التي يبدو رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري محوراً لها، بعدما استند في بيان له على موقف الصفدي ليحمّل التيار الوطني الحر مسؤولية إفشال ترشيح الصفدي، ليأتي البيان اللاحق للصفدي دحضاً لكل رواية الحريري، متحدثاً بوضوح عن التزام بالدعم قدّمه الحريري وتراجع عنه دون تفسير، بما يمنح المصداقية لما قاله بيان التيار الوطني الحر واتهامه للحريري بالسعي لحصر رئاسة الحكومة بشخصه وبشروطه، وبالتالي استعمال شعار حكومة تكنوقراط للسيطرة على الحكومة وقراراتها.
الأهم في السجال بين الحريري والتيار الوطني الحر أنه أعلن للمرة الأولى منذ العام 2016 انكسار التسوية الرئاسية، التي ثبّتت الحريري رئيساً لحكومات عهد الرئيس ميشال عون، والتي بموجبها وقف العهد إلى جانب الحريري أثناء احتجازه في السعودية، وبدا مع انكسار التسوية أن ظروف إعادة تكليف الحريري دون تغيير جذري في شروطه وتراجعه نحو الواقعية في قراءة الموازين، باتت مستبعَدة، وأن تسمية بديل له لا تعني بالضرورة تشكيل سريع لحكومة جديدة، ولا تسرعاً في السير بحكومة لون واحد، بل تفتح احتمال تسمية مرشح للأغلبية النيابية لرئاسة الحكومة من التكنوقراط، ومواصلة الحوار في ظل وجوده على مسارين، مسار اعتذار الرئيس المكلف وإعادة تسمية الحريري، لحكومة تكنوسياسية، أو قبول الحريري المشاركة في حكومة تكنوقراط برئاسة الرئيس المكلف.
أمنياً، تتركّز الأنظار اليوم على مصير الشارع في ظل ما صدر عن قائد الجيش من إعلان لحظر قطع الطرقات، وما صدر بالمقابل عن جماعات في الحراك عن بدء مسار تصعيديّ يتضمّن إقفال الطرقات الرئيسية.
بعد إجهاض تسوية ترشيح الوزير السابق محمد الصفدي لتأليف الحكومة اشتعلت حرب البيانات على خط التيار الوطني الحر تيار المستقبل.
واتهم المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري في بيان التيار الوطني الحر بالكذب، وأكد أن الوزير جبران باسيل هو مَن اقترح وبإصرار مرتين اسم الوزير الصفدي، وهو ما سارع الرئيس الحريري إلى إبداء موافقته عليه، بعد أن كانت اقتراحات الرئيس الحريري بأسماء من المجتمع المدني، وعلى رأسها القاضي نواف سلام، قد قوبلت بالرفض المتكرر أيضاً . واتهم البيان باسيل بمحاولة التسلل الى التشكيلات الحكومية . بدوره ردّ التيار عبر بيان للجنة المركزية للإعلام بأن سياسة الرئيس الحريري لا تقوم فقط على مبدأ أنا أو لا أحد على رأس الحكومة بل زاد عليها مبدأً آخر وهو أنا ولا أحد غيري في الحكومة، وذلك بدليل إصراره على أن يترأس هو حكومة الاختصاصيين وتبقى شهادة الوزير الصفدي المقتضبة واللائقة كافية لتبيان مَن يقول الحقيقة . وانتقاد البيان سياسات الرئيس الراحل رفيق الحريري من دون أن يسمّيه معتبراً أن اسباب وصول لبنان إلى الوضع الصعب الذي هو فيه تعود الى السياسات المالية والاقتصادية والممارسات التي كرّست نهج الفساد منذ 30 عاماً ولا يزال أصحابها يصرّون على ممارستها وما المعاناة التي مررنا بها وعبّرنا عنها جزئياً في السنوات الأخيرة سوى بسبب رفضنا لهذه الممارسات وإصرار تيار المستقبل على التمسّك بها وحماية رجالاتها .
من جهته أشار الصفدي في بيان الى أن المرحلة التي يمر بها لبنان مرحلة صعبة ومفصلية وخطيرة وتتطلب منّا جميعاً التكاتف والتضامن ووضع الخلافات السياسية جانباً، وانطلاقاً من هذا الأمر تخطّيت الوعود التي على أساسها قبلت أن أسمّى لرئاسة الحكومة المقبلة والتي كان الرئيس قطعها لي لكنه لم يلتزم بها لأسباب ما زلت أجهلها، فما كان منّي إلاّ أن أعلنت انسحابي . ما يعني بحسب مراقبين بأن الصفدي ربط بين سحب ترشيحه وبين تراجع الحريري عن وعده، وبحسب مصادر البناء فإن الحريري كان صادقاً في تسمية الصفدي بتوافق مختلف الأطراف السياسية الأساسية، لكن الرئيس فؤاد السنيورة بالتنسيق مع الرئيسين نجيب ميقاتي وتمام سلام رفضوا الأمر وأجهضوا الاتفاق ، مضيفة أن مطلب حكومة التكنوقراط التي يتمسّك بها الحريري هي مناورة سياسية تهدف لإبقاء الشغور في منصب رئاسة الحكومة، وبالتالي إدخال لبنان بالفراغ الكامل. فالحريري ومَن وراءه يدركون أن هذا المطلب مرفوض من قبل رئيس الجمهورية وحزب الله وحركة أمل والقوى الحليفة، فهؤلاء ليس منطقياً أن يوافقوا على حكومة تكنوقراط يسلّمون دفة القرار والحكم للحريري والأميركيين والخليجيين .
الى ذلك يستمرّ بعض مجموعات الحراك في الشارع بمسلسل قطع الطرقات والعصيان المدني في مخطط خارجي مشبوه يهدف الى إيقاع لبنان في الفوضى التامة. بحسب ما قالت مصادر مطلعة لـ البناء مضيفة بأن ما يجري من أحداث في لبنان ليست وليدة اللحظة بل تمّ الإعداد لها منذ زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الى لبنان في 22 آذار الماضي، حيث شكّل جبهة داخلية ورثت 14 آذار مؤلفة من الحريري جعجع جنبلاط ومجموعات شعبية أعدّتها السفارة الأميركية وقنوات فضائية محلية وعربية وعالمية والخطة تقضي بالإعداد لمرحلة الفوضى لمدة سنة حتى الانتخابات الأميركية .
وقالت أوساط مطلعة في 8 آذار لــ البناء إن تراجع الحريري عن ترشيح الصفدي عقد الأزمة وأقفل باب الحلول حتى الآن. الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات بغياب أفق للحلول .
وللمرة الاولى منذ اندلاع الأحداث في الشارع تفقّد قائد الجيش العماد جوزاف عون أمس، الوحدات العسكرية المنتشرة في بيروت وجبل لبنان والتي تنفّذ مهمّات حفظ الأمن في ظل التحرّكات الشعبية في كل المناطق اللبنانية. وأوضح في كلمة له أن «الجيش ينفّذ حالياً مهمّة حفظ أمن في الداخل أمام شعبه وأهله، مشيراً إلى أنّه مسؤول عن أمن المتظاهرين وباقي المواطنين»، مجدّداً التأكيد أن «إقفال الطريق أمر غير مسموح به وأن حرية التنقّل مقدّسة في المواثيق الدولية». وكشف عون أن «التوقيفات التي حصلت مؤخّراً شملت عناصر عملت على إحداث شغبٍ وواجهت الجيش وحاولت منعه من تنفيذ مهمّته وتعرّضت له، كما شملت أشخاصاً من غير اللبنانيين وآخرين تبيّن أن بحوزتهم مخدّرات».
كان تسجيل صوتي مسرّب لنائب القوات فادي سعد يوجه تهديدات للجيش اللبناني وضباطه وعناصره إذا أراد فتح الطرقات بالقوة. فيما اتخذ الجيش إجراءات واسعة منذ مساء أمس تحسباً واستعداداً ليوم العصيان وقطع الطرقات الذي أُعلِن عنه اليوم.
وقالت مصادر أمنية لـ»البناء» إن «التحقيقات التي أجرتها مديرية المخابرات والقضاء أظهرت وجود خطة معدّة من قبل بعض الأحزاب للاعتداء على الجيش ونصب الكمائن له كما حصل في سعدنايل وجلّ الديب الأسبوع الماضي، كما أظهرت وقوف جهات خارجية وراءها وعناصر غير لبنانية منهم سوريون وينتمي بضعهم الى تنظيمات إرهابية»، وأبدت المصادر استغرابها الشديد من تغييب قوى الأمن الداخلي عن حماية الأمن الداخلي وفقاً للقوانين وتعمّد زج الجيش ووضعه في مواجهة المتظاهرين وقطاع الطرق وتركه عرضة للاعتداء دون منحه أوامر الدفاع عن نفسه بشكل كامل، وذلك بهدف النيل من هيبته وإضعاف معنوياته وإرباكه وإنهاكه لإلغاء دوره الوطني في مواجهة «اسرائيل» والإرهاب وإبعاده عن المقاومة»، وتساءلت: «لماذا وضع 28 الف عسكري في قوى الأمن الداخلي في الثكنات، فيما هم مكلَّفون حماية الأمن ومهمة الجيش المؤازرة عند الحاجة؟ ولماذا أخرجت وزيرة الداخلية ريا الحسن قوى الأمن من المشهد الأمني كلياً؟ ومَن طلب منها ذلك؟ ما يؤكد بحسب المصادر تدخل أميركا في منع الأجهزة الأمنية من التدخل لتنفيذ ما يخطط خلف تحريك الشارع».
وتربط المصادر بين التدخل الأميركي في العملية السياسية اللبنانية في إقالة الحكومة والتأثير في رئيس وشكل الحكومة المقبلة بملف النفط، كاشفة أن «المسؤولين الأميركيين الذين زاروا لبنان تباعاً أبلغوا لبنان أمرين: مشاركة الشركات الأميركية في التنقيب عن النفط اللبناني والثاني ضرورة التنازل عن جزء من المساحة النفطية المتنازع عليها بين لبنان و»اسرائيل» على الحدود مع فلسطين المحتلة وتحديداً البلوكين 9 و10».
وكان وزير الطاقة السابق النائب في تكتل لبنان القوي سيزار أبي خليل غرّد قائلاً: «2013 استقال الميقاتي مباشرة بعد رفع مراسيم النفط إلى مجلس الوزراء. 2017 استقال الحريري من السعودية مباشرة بعد تقديم شركات النفط عروضها في دورة التراخيص. 2019 استقال الحريري مباشرة قبل بدء حفر البئر الأولى. اليوم حملة افتراء على قطاع النفط. أمن رابط؟».
2019-11-18 | عدد القراءات 3253