ناصر قنديل
من المهم لفت الانتباه لكل الذين يقرأون كلام الإمام علي الخامنئي ليل أمس، عما تشهده إيران بصفته أحداثاً أمنية لا احتجاجات شعبية، ألا يتسرّعوا باعتباره مجرد تغطية لقمع ما يعتبرونه احتجاجاً شعبياً مشروعاً، فقد سبق وشهدت إيران احتجاجات أوسع وتحت عناوين تتصل بإفلاس شركات صيرفة وشركات مالية، وصفه الإمام الخامنئي بالاحتجاجات المشروعة ودعا الحكومة لسماع صوت المحتجين وطمأنتهم إلى مصالحهم وصيانتها، وعدم التعامل معهم بالأساليب الأمنية. الجدّيون في القراءة والذين لا يستعجلون ولا يخدمون مشروعاً قائماً على الأحكام المسبقة، يتوقفون أمام كلام الإمام الخامنئي بصفته تلخيصاً لمعلومات واعترافات مفصلة باتت بحوزة الأجهزة الأمنية والقضائية، وقام الإمام بدراستها بهدوء، كما يفعل في كل الأمور التي يضع يده عليها.
أن تكون الاضطرابات الإيرانية شيئاً مختلفاً عن الاحتجاجات التي يسعى أعداء إيران إلى استغلالها، وفي مقدمتهم واشنطن، لتصير أحداثاً أمنية، يعني أن هناك مخططاً مرسوماً بات بحوزة الأمن والقضاء في إيران، وهناك شبكات منظمة لتنفيذ هذا المخطط بات رؤوسها في قبضة الأمن الإيراني، وأن هناك اعترافات موثقة حول التنظيم والتمويل. واللافت هو أن الخطة التي رسمت لإيران كما تقول المصادر التي تتابع الأحداث، تشكل قنوات تلفزيونية على شبكات التواصل الاجتماعي، محوراً رئيسياً فيها، وتشكل جمعيات معونة اجتماعية مرخصة في إيران بعضاً من أدواتها، ويشكل بعض النشطاء الذين كانوا في صفوف التيارين الإصلاحي والمحافظ كوادرها. والأهم أن الأمر انتهى كمخطط وبقيت عملية تصفية ذيوله، كما يقول الإيرانيون.
أهمية هذا التطور في الوضع الإيراني، تنبع من أن إيران شكلت في المشروع الأميركي الهادف لاستعمال الاحتجاجات في العراق ولبنان، الهدف النهائي، وانتهاء المشروع الأميركي وإخماده في إيران يجعل اللعب في المسرحين اللبناني والعراقي بمرتبة أدنى مما كان عليه قبل الفشل في إيران، لكن الأهم هو أن ما توصل إليه الإيرانيون قبل الأحداث الأخيرة وبعدها، وكيفية تعاملهم معها ليس مفصولاً عما يعرفه ويتابعه حلفاؤهم في لبنان والعراق، وما كانوا يتحفظون على قوله قبل انفجار اللغم الأميركي وفشله في إيران، سيصبح مباحاً بعد ذلك، خصوصاً مع بدء تحول مشهد بعض الاحتجاجات إلى أحداث أمنية بعيدة عن مضمون الاحتجاج، ووجود رعاية معلومة من حاضنات سياسية وحزبية وإعلامية وأمنية، كما قال أحد قادة الحشد الشعبي في العراق، وكما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بحديثه عن تحذيره من سرقة الحراك الشعبي، مشيراً لمعلومات بنى عليها هذا التحذير سيأتي وقت كشفها.
أن يتولى الحراك الشعبي في لبنان السعي لتعطيل جلسة نيابية، معلوم مَن عطلها وجيّر للحراك الإنجاز، وهي مقررة لإنجاز أهم حلقة تشريعية تبيح ملاحقة الوزراء الحاليين والسابقين أمام القضاء العدلي بدلاً من منع ذلك بحجة حصر ملاحقتهم أمام مجلس أعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء غير موجود أصلاً، ليس نصراً للشعب ولا للحراك، بل حماية للفاسدين الذين دعت كتلهم ودعا نوابهم لمقاطعة الجلسة، أما الزج بالحراك في النقاش حول التأليف والتكليف وتوازنات الحكومة الجديدة، والتفاوض بين الكتل النيابية، هو تحويل للحراك إلى أداة ضغط في لعبة سياسية تقودها قوى الرابع عشر من آذار المعلومة الصلة بالسياسات الأميركية. وهذا ربما يكون إنذاراً برسم المعنيين بصيانة الحراك لمنع محاولات تحويله من احتجاج شعبي إلى أحداث أمنية، بمعنى التوظيف لخدمة مشروع خارجي بعيداً عن مصالح الشعب واستقلال الوطن.
2019-11-20 | عدد القراءات 3123