متى نرى الحريري في عين التينة ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

  • لا يستطيع الرئيس سعد الحريري أن ينكر أنه لم يعامل من الرئيس نبيه بري بالمثل ، بل بمسؤولية وطنية رفيعة وحرص شخصي واضح ، رغم أن الرئيس الحريري الذي أعلن أن إستقالته جاءت تلبية لطلب الشارع ، وأسر بأنها تبرما من طريقة الوزير جبران باسيل بالتعامل وعجزا عن مواصلة مجاراتها ، قام عمليا بتفجير إستقالته بوجه الرئيس نبيه بري ، فالحريري يعلم ما يعلمه بري عن النفق الذي تدخله البلاد مع كل عملية فك وتركيب للحكومات ، ويعلم خطورة الظرف الذي عرض فيه لبنان لهذه التجربة ، ويعلم أنه لو كان رأيه بأن الإستقالة مخرج مناسب ، فهو يكون مناسبا بالقدر الذي يكون فيه مدروسا ومبرمجا لتستقيل حكومة يكون بديلها جاهز ومتفق عليه لتحل مكانها ، كما فعل والده الرئيس رفيق الحريري مرارا .
  • إذا لم تكن مشكلة الرئيس الحريري مع الوزير باسيل هي في القضايا التي يشترك فيها باسيل مع الرئيس بري وحزب الله ، فكان طبيعيا أن ينسق الحريري مع بري كما كان كلامه قبل أيام من الإستقالة التي تم إبلاغ بري بها كقرار ، أو لكان إستجاب الحريري لدعوة بري له قبل إعلان الإستقالة لمراجعة موقفه مقابل تعهد كتل التنمية والتحرير واللقاء الديمقراطي والوافاء للمقاومة لدعمه بالتصويت في مجلس الوزراء في خلافاته مع باسيل ، ولأنه لم يفعل هذه او تلك فهل كان ما يقصده الحريري من خلافه مع باسيل يطال موقف لبنان من سياسات أميركية ضاغطة في ملفات عديدة كان الرئيس الحريري شريكا في الموقف اللبناني المتضامن بوجهها ، أو راهنية قضية عودة النازحين السوريين بالتنسيق مع الحكومة السورية التي يلتقي حول الموقف منها بري مع حزب الله مع باسيل وكان للحريري موقفه منها ، فوجد في الإستقالة فرصة للإنسحاب من واجهة المسؤولية ورمي الكرة في ملعب مفتوح ؟
  • الواضح الآن ، بمعزل عن الأسباب الخاصة بالحريري للإستقالة ، وبمعزل عن أسباب إشتراطه حكومة تكنوقراط ليقبل رئاسة الحكومة ، فقد تعامل الرئيس بري مع الرئيس الحريري بحرص شديد ومسؤولية كبيرة ، ولم يبادل غير المتوقع إلا بالمتوقع ، والشعور بصدمة سلبية إلا بصدمة إيجابية ، وبمعزل عن السياقات الخارجية التي رسمت حول الحراك وأرادت توظيفه ، والإتجاهات التي أريد للبنان أن يذهب إليها ، فنحن نقف الآن على ضفة مختلفة ، فالذين رسموا شعار إستقالة الحكومة وإستبدالها بحكومة تكنوقراط ، لفتح صندوق بندورا ، وجعل لبنان رهينة للفوضى ، فشلوا ، وسلموا بالنزول عن الشجرة ، وأخذ سفراؤهم يجولون على الجميع داعين لتسريع تشكيل الحكومة ، اي حكومة ، بما في ذلك حكومة سياسية ، وليس فقط تكنوسياسية ، وفهموا أن قضية إحراج حزب الله لإخراجه ، أكبر من طاقة الحراك ، وأن تعديل مواقف لبنان من العناوين الكبرى فوق طاقة أصحاب مشاريع الفوضى ، وأن صمود لبنان ومقاومته وحلفاءها في الحكم والمجتمع تكفل بإزالة هذه الصخرة عن كتف الحكومة الجديدة ، وأن التفاهمات التي تم إستيلادها لتشكيل الحكومة الجديدة كافية لقيامها ، وأن بمستطاع الحريري أن يقدم قوة دفع إيجابية تجعل الحكومة قادرة على الإقلاع بقوة ، بمجرد أن يزور عين التينة ويطمئن اللبنانيين إلى أن الشعور بالخطر الذي يتحدى لبنان واللبنانيين كاف كي يكونوا معا في مواجهتها ، ومع من سيكون الرئيس الحريري إن لم يكن مع الرئيس بري ؟
  • ثمة إحتمال أن يكون الحريري على قناعة بأن الخلاص متاح إذا كان هو رئيس الحكومة ، من خلال قراءته لما يستطيعه ، فهل يرهن ذلك بتفاصيل يمكن تدوير الزوايا حولها ، لتسهيل عودته التي لا يقف المرشح لرئاسة الحكومة المهندس سمير الخطيب عقبة امامها ، ولا تلقى معارضة اي من مكونات المشهد السياسي المعني بالحكومة الجديدة ، وطالما تراجع الخارج ونزل عن الشجرة فماذا ينتظر الحريري لينزل عنها ، وفي حال قرر فماذا عساه يحتاج لذلك أكثر من زيارة إلى عين التينة ؟
  • عندما نرى الحريري في عين التينة سنعلم أن الحكومة الجدية ستقلع بأمان سواء كان خياره ترؤسها أو ترك الرئاسة مؤقتا لسواه فتمهد حكومته بالتوجه نحو سورية ، وترميم بعض الجسور وتهدئة بعض النفوس ، وفي الحالتين صارت خارطة طريق الحكومة الجديدة مرسومة وواضحة .

2019-12-05 | عدد القراءات 2158