يدّعي جميع العاملين في الشأن العام في لبنان حرصهم على الإصغاء لصوت الشعب الذي صرخ بالعالي غضباً ضد الفساد وطلباً للإصلاح ورفضاً للتجاهل. فكيف نستطيع التمييز بين الإصغاء الحقيقي والصادق وبين الإصغاء المنافق وبين التوظيف الانتهازي لأهداف مشبوهة أو طلباً لدور وموقع؟
علينا البدء أولاً طالما لسنا أمام ثورة لها قيادة وبرنامج أن نترفّع عن إلباس الشعب وصرخته المدوية المعاني التي تخدم ما نريد. فالذي جرى هو تحديداً و ترجمة مضمون هذه الصرخة تبدأ بالمراجعة الحقيقية والصادقة للأداء عند الجميع، مسؤولين في السلطة وفي الرأي العام، لتصحيح المقاربة نحو مزيد من الصدق في السعي نحو ملاقاة صراخ الشعب. ومن هذه المراجعة السؤال كيف تتم الملاقاة الحقيقية لهذه الصرخة المدويّة؟
أول المطلوب هو السرعة وعدم إضاعة الشعب وصرخته في المتاهات. وقد كانت الدعوة لاستقالة الحكومة متاهة حقيقية لا تزال تدور بالبلد والناس من مأزق إلى مأزق، وقد فتحت الأبواب لكل المشاريع الداخلية والخارجية التي تتمحور حول تشكيل حكومة جديدة وشكلها وتوازناتها. والكل يريد العبث بتوظيف صراخ الشعب ليجعله غناء على ليلاه هو لا ليل الشعب. وعلى من يتمسك بصوابية الدعوة لاستقالة الحكومة أن يكون واثقاً أن بمستطاع الشعب الذي خرج غاضباً أن يخرج صارخاً باسم رئيس جديد للحكومة يلبي تطلعاته للإصلاح، وإلا فلا وقت لترف اختبارات سخيفة من نوع فلتتم دعوة النواب وليقوموا بالتسمية وبعدها نرى. وقد نرفض الاسم ونعود للدوامة أو تكون الناس قد تعبت وصار ما تريده مجرد حكومة أي حكومة.
ثاني المطلوب هو صياغة آليات عملية مطلوبة من الحكومة وأخرى مطلوبة من مجلس النواب والتحرّك للضغط لفرضها وبدء تطبيقها من إجراءات تحسن المعيشة وتساهم في لجم الفساد وكشف الفاسدين وتعزيز قدرة القضاء على ملاحقتهم إلى الضغط لرسم سياسات اقتصادية ومالية تنقل البلد من ضفة الضعف إلى ضفة القوة في مواجهة الأزمات.
ثالث المطلوب هو الترفع عن تصفية الحسابات الصغيرة مع هذا المسؤول أو ذاك أو التغاضي عن هذا المسؤول أو ذاك لخدمة أغراض صغيرة يمكن وصفها بالدنيئة قياساً بعذابات الناس وأوجاعها.
رابعاً تقديم سلوك أخلاقي بعيد عن الشتائم وعن الإكراه والشغب والفوضى. فلبنان محكوم بحسابات طائفية ومناطقية يهدّد كل تلاعب بها بنقلنا من مكان مقلق إلى مكان أشد تسبباً بالقلق.
من الواجب مساءلة قيادة الحراك أو مَن ركبوا أنفسهم قادة عليه وصاروا يرسمون شعاراته ويدعون البساطة والدروشة ويمجّدون كذبة العفوية ويُلصقون بها كل ما تفتقت عليه أحقادهم ورغباتهم وحساباتهم الخفية.
ناصر قنديل
2019-12-13 | عدد القراءات 2145