تقول تجربة ما عُرف بالربيع العربي أن الفراغ هو أخطر ما ينتظر البلاد التي تعرف حركات الاحتجاج ويجري استغلال حماسة الناس فيها لنقلها في مرحلة أولى إلى الفراغ بداعي إسقاط رموز السلطة. ثم بعد الفراغ يأتي دور الفوضى. وبعدهما تسيطر العصابات الجاهزة والمسلحة على الطرقات وتحوّل الفوضى إلى تصادمات أهلية تطرح خلالها للفك والتركيب وحدة البلاد.
التطرف الظاهر في السقوف العالية لا يختلف في هذه الحالات عن التطرف بالدفاع عن الفساد، لأن المعيار هو تقديم بديل واقعي تدريجي يحقق تقدماً ويمنع الفراغ وبعض اليمين وبعض اليسار يتشابهان في استغلال الأزمات بمعايير تشترط قبول أي حلول انتقالية بحجم المكاسب التي تحققها هذه الجماعات لذاتها.
في لبنان نجحت الانتفاضة الشعبية بفرض معادلات جديدة في بداياتها تسبّبت بالذعر للحاكمين المستهترين بالشعب ومنحت المخلصين بالتغيير ومكافحة الفساد فرصة الضغط لصالح برامج تعبر عن حاجة الانتقال من نظام تحكمه المصارف الى دولة الرعاية والإنتاج، لكن الانتفاضة وقعت تحت سيطرة مشروع عبثي يلبس ثوب السقف العالي لتبرير الفراغ وتقديم الفوضى ليتسلل الأميركي ببدائله الجاهزة عارضاً المقايضة بين المال والسيادة.
أسقط اللبنانيون خطر الفراغ والفوضى وأسقطوا الحلقة الخطيرة من المشروع الأميركي عبر إدارة هادئة للملف الحكومي نجحت بتفادي التصعيد الطائفي والتسرّع بتسمية مرشح للغالبية، لكنها وبالتوقيت المناسب حسمت وأنهت الخطرين وبالهدوء نفسه ستتقرر الخطوات اللاحقة.
ناصر قنديل
2019-12-20 | عدد القراءات 3599