معركة إدلب ترسم توازنات المنطقة الجديدة نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
تستطيع القنابل الدخانية التي يطلقها الأميركيون بوقة السيطرة على النظام المصرفي العالمي وإمساكهم بمنظمات الجتمع المدني الممولة والمدربة في بلادنا ، وبقوة المال والإعلام الخليجيين ، أن تصور الحراك الشعبي في ساحات المنطقة كجزء من معارك تربحها على محور المقاومة ، بينما تقول التطورات السياسية أن حجم النجاح الأميركي لم يصل لحد القدرة على رسم مستقبل الإستحقاقات المحورية في تكوين السلطة في الساحات الساخنة ، ففي لبنان خسرت واشنطن رهانها للإمساك برئاسة الحكومة ، وفي العراق ليس هناك ما يقول بقدرتها على النجاح ، لكن ساحات الكر والفر التي تستند إلى توظيف الشارع الغاضب والتلاعب بتوجيهه ، لن تكون كما هو واضح ساحات رسم توازنات إقليمية جديدة ، فالتوازنات التي تحكمها لا تزال أكبر من حجم الضغوط التي تنتجها المشاريع الأميركية رغم شدة الضغوط المالية ، حيث يتكشف شيئا فشيئا ان ما يريده الأميركيون يتصل مباشرة بطلبات لا يستطيع حتى عملاؤهم المجاهرة بتبنيها ، كطلب دمج النازحين السوريين في لبنان وعدم السماح بعودتهم إلى بلادهم ، او طلب التانزل مباشرة أو غير مباشرة عن حقوق لبنان في النفط والغاز لحساب إسرائيل .
مرة أخرى لا تزال سورية هي جبهة الإشتباك الوحيدة التي يتاح فيها رسم التوازنات الجديدة ، حيث الجغرافيا هي الميدان ، وحيث يستأخر الأميركيون فتح ملف وجودهم كإحتلال في جزء من الأراضي السورية ، من خلال الرهان على تأخير وعرقلة معركة تحرير إدلب ، التي ستشكل نهايتها إعلان بدء إستحقاق إخراج الأميركيين من سورية ، وقد لعبت واشنطن ورقتها الخيرة بإستئخار معركة إدلب عبر إغراء الأتراك بتولي المهمة لقاء منحهم الضوء الأخضر للتوسع في مناطق شرق الفرات على حساب القوى الكردية التي تكونت ونمت تحت عباءة الميركيين ودعمهم ، لتقدم الغطاء المحلي لوجودهم ، وقد أظهرت سورية ومن ورائها روسيا وإيران قدرة على إحتواء المناورة الأميركية وإسقاطها ، فبعدما جرى إستثمار التخلي الأميركي عن الأكراد وتم إنتشار الجيش السوري بمواجهة الأتراك بتفاهمات مع الجماعات الكردية ، تم إحتواء الموقف التركي بثنائية المطرقة والسندان ، وخرج لقاء أستانة الأخير يوفر الغطاء لمعركة الحسم في إدلب ، بمشاركة الأتراك ، الذين باتوا يتصرفون على قاعدة خسارتهم في سورية ، ويسعون للمساومة على حصة أو دور في معارك ليبيا .
بدأت معارك إدلب في نسختها الجديدة بتعاون سوري روسي عالي المستوى ، وخلال ساعات نجح الجيش السوري بالتقدم وإستعادة عدد من القرى والبلدات في محور معرة النعمان ، التي تبدو المدينة الثانية بعد خان شيخون المرشحة للإنتقال إلى عهدة الجيش السوري ، لتليها سراقب وجسر الشغور ، وتتاح فرصة الإمساك بالطريقين الدوليين بين حلب وحماة وحلب واللاذقية ومحاصرة إدلب ، تمهيدا لإستعادتها ، ووفقا لخبرات المعارك السابقة للجيش السوري ، يمكن توقع إنتصارات متدحرجة على هذه المحاور ، خصوصا مع وضوح رسائل روسية عسكرية نوعية تمثلت بصواريخ الكاليبر الآتية من خلف البحار ، والتي يقول العسكريون أنها أكبر من كونها ضرورة عسكرية ربما هي رسالة للأميركيين الذين حركوا في ملف النفط والغاز في لبنان مشروع أنبوب غاز إسرائيلي يوناني بدعم إيطالي ورعاية أميركية ، يريدون شرعنته لبنانيا عبر إتافق ترسيم الحدود البحرية ، من بوابة المشهد السياسي الجديد فيه ، هدفه منافسة الأنبوب الروسي التركي نحو أوروبا الجنوبية ، والرسالة الروسية تقول نحن هنا ، فهل ينتبه بعض اللبنانيين الفرحين بالمرشح نواف سلام أو المخذولين بخسارته ؟