قيادة الحراك في إجازة بسبب التراجع الشعبي نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
يحاول بعض قادة الحراك الشعبي الحديث عن هدنة تمتد لما بعد تشكيل الحكومة ، ليبنى على شكل الحكومة وبرنامجها الموقف الجديد ، بينما يغيب بعضهم الاخر عن السمع وعن الشاشات ومنصات التواصل الإجتماعي ، بينما تحول قسم ثالث إلى الإصطفاف وراء حملة قوى الرابع عشر من آذار ضد الرئيس المكلف حسان دياب ، غير آبهين بالشعار الطائفي الذي تتخذه هذه الحملة ، ولا بكون الشركاء فيها هم أركان السلطة التي يفترض أن الشعب قام بثورته بوجهها ، ووسط هذا التشتت يستمر بعض النشطاء بحملات إحتجاج صادقة على الفساد والسياسات المالية ، حيث يحضر العشرات أمام مؤسسات معنية ويطلقون الشعارات ويوصلون رسالتهم ، لكن لهذا كله معنى واحد ، وهو أن المشهد الذي شكل تحولا تاريخيا في حياة لبنان أيام 17 و18 و19 تشرين الأول الماضي قد اصبح شيئا من الماضي ، ويبقى الأمل بتكراره بظروف تتيح ثيادة اشد إخلاصا وصدقا وخبرة .
يرفض الذين جروا الحراك إلى متاهة التشكيلات الحكومية الإعتراف بأنهم لو إستمعوا للنصائح التي دعتهم للإبتعاد عن فتح أبواب ينتظرها الكثيرون في الداخل والخارج للتلاعب بمصير الحركة الشعبية الفتية ، وتسييسها وتحزيبها وتطييفها ومذهبتها ، وعندها لما رفعوا دعوتهم لإستقالة الحكومة وما منحوا الذريعة لفتح البازار على إعادة صياغة توازنات جديدة داخلية وخارجية ، فلنتخيل الوضع لو أن شعارات الحراك كانت مضبوطة تحت سقوف مطلبية ، من نوع تخفيض الفوائد المصرفية ، وإطلاق القروض السكنية ، وفرض التسعير بالليرة اللبنانية ، وإستصدار تشريعات تفتح طريق المحاسبة والمساءلة في ملفات الفساد ، من رفع السرية المصرفية إلى إلغاء الحصانات ، وصولا لتكريس السلطة القضائية المستقلة ، وإستصدار قانون جديد للإنتخابات يعيد تشكيل السلطة خارج القيد الطائفي وفقا للبنان دائرة واحدة والتمثيل النسبي ، وماذا لو حدد لكل من هذه المطالب أسبوعا يحمل إسمه تخرج خلاله الناس إلى الساحات ، في كل المناطق تحت راية العلم اللبناني ، وبلا شتائم وقطع طرقات ، ألم تكن الأسابيع العشرة التي مضت على إنطلاق الحراك كافية لإنتزاع عشرة مطالب كبرى ؟
الذين ورطوا الحراك في ثنائية الشتائم وقطع الطرقات ، وخرجوا على الشاشات يصنعون الإجتهادات ويفبركون النظريات عن مسمى جديد للشتائم هو العنف الكلامي ، وتوصيف قانوني جديد لقطع الطرقات ، يدرجه ضمن أشكال التعبير السملي ، وهو عنف موصوف وجريمة ضد الحرية ، التي تتوازى فيها حرية التعبير وحرية التنقل ، يغيبون اليوم ويهربون بفعلتهم ويتجاهلون جريمتهم ، التي دمرت وحدة الشعب الذي خرج إلى الساحات ، فخسر الحراك نصف الناس بسبب الشتائم التي سميت من بعض العباقرة المتفذلكين عنفا كلاميا مشروعا ، وخسر الحراك النصف الثاني بسبب قطع الطرقات التي لولاها لما سمعنا بردات فعل من ذات الطبيعة ، وما رافق الفعل ورد الفعل من تطييف وتمذهب وعودة لعصبيات ، كان يحتاجها البعض لخوض معاركه الحكومية ، وها هي الصورة ماثلة امامنا اليوم ، في هوية من يقوم بقطع الطرقات ، بعدما غير الشعار وبقي في ذات الأماكن ، وإستبدل العلم اللبناني بعلم تيار المستقبل .
هذه النتيجة المحزنة لواحدة من انبل ظواهر الغضب الشعبي ، ليست نتاج زوال اسباب هذا الغضب ، فالناس غاضبة لكنها في بيوتها ، بعدما فقدت ثقتها بمن تولوا قيادة غضبها ، ولم تجد فيهم ما وعدوها به ، فظهروا نموذجا لا يقل سوءا عن الذين إنتفضوا ضدهم ، يخونون كل صاحب راي مخالف ، يعلون تحت الطاولة ولا يظهرون وجوهمم لأن ليدهم ما يشخونه في تاريخهم وحاضرهم واهدافهم ووسائلهم ، لا يجرأون على المكاشفة المالية ، ولا على تظهير هيكلية أخذ القرار ، ويضعون الأولوية لعنادهم وذواتهم ، وليس لخدمة ما فوضته الناس لهم ، ومن باب الصدفة فقط ، يأتي الحصاد لحساب من يدفع الناس ثمن توليهم للملف المالي خلال ثلاثين سنة ، في الداخل والخارج ، محض صدفة !
الهدنة مع تسمية الرئيس المكلف فرضها الشعب ، وليست خيارا لمن يسمون بقادة الحراك ، وهي فرصة للرئيس المكلف ليظهر حكومة تليق بالناس وتحاكي طلباتهم ، لتعيد الناس صياغة شكل تعاملها مع الحكومة الجديدة ، وتمنع حصول من قاد الوجبة الأولى من الحراك بتسلق القيادة لوجبة ثانية ، ربما تكون نتائجها مدمرة .