كتب المحرر السياسي
كما توقعت "البناء" فرض الحدث العراقي نفسه مشهدا رئيسيا في المنطقة يرسم ما سواه ، ويترك بصمات لا يمكن تجاهلها على كل المسارات السياسية التي يتوقف نجاحها على تفاهمات أو عدم ممانعة على المستويين الإقليمي والدولي ، كحال الحكومة اللبنانية الجديدة ، ليشكل التصعيد الأميركي في العراق ، وفي سورية ضمنا ، بداية مرحلة جديدة لن يكون من السهل تخطي تداعياتها ، حيث تتقابل للمرة الأولى قوى المقاومة في المنطقة مع القوات الأميركية المنتشرة في كل من العراق وسورية ، حيث تحظى في العراق بتغطية الحكومة العراقية ، وتفتقد لمثلها في سورية ، وجاءت الغارات الأميركية على قواعد تابعة للحشد الشعبي العراقي في مناطق حدودية بين سورية والعراق إعلان نهاية مرحلة كان الأميركيون يتصرفون فيها وفق قاعدتين ، الأولى عدم التورط في مواجهة يدركون أنها ليس لصالحهم ، بعدما قال قادتهم العسكريون مرارا أن التورط في أي مواجهة سيعني بداية فقدان الغطاء الحكومي للتواجد ف يالعراق ، كما سيعني في العراق وسورية الحاجة للإستعداد لحرب طويلة ومكلفة تجنبوا خوضها عندما كانت الجماعات المؤيدة لهم قادرة على الإفادة منها لتغيير وقائع الميدان ، سواء في مواجهات الجنوب و منطقة الغوطة في سورية ، أو خلال إعلان قادة كردستان العراق إنفصالهم ، ويشكل التورط فيها اليوم كلفة أعلى ورهانات اقل بكثير لتحقيق اي مكاسب ، وتعني هذه المواجهات عمليا جعل عنوان المواجهة مع الأميركيين كإحتلال أجنبي يطغى على ما عداه في العراق وسورية ، ويقدم كل مناوئ لقوى المقاومة كعميل للإحتلال ، ويحجب الضوء عن كل ما كان موضع رهان أميركي لتحجيم قوى المقاومة في العراق وحتى في لبنان ، ويبدو التصعيد ضمنا إعلان فشل الرهان على هذا التحجيم وسعيا لترسيم توزانات تنتجها المواجهة ، التي لا يريد الأميركيون لها التحول إلى حرب ، وتتيح مقايضة الإنسحاب لاحقا بتفاهمات تتصل بمصالح اشد حيوية ، بعد أن تنتزع المواجهة الإحراج عن أي إنسحب يسببه الطلب افسرائيلي بمقايضة مكاسب لأمنهم بأي قرار إنسحاب أميركي مفترض .
الدعوات في العراق للإنسحاب الأميركي بدأت ، وبيانات التنديد بالعدوان الأميركي تجاوزت خطوط الإنقسام السياسي فشاركت فيها الرئاسات العراقية رغم خلالافاتها على الشأن الداخلي ، وكان ملفتا بينا الرئيس العراقي برهم صالح ، وخرجت اصوات قوى سياسية تناوئ تحالف البناء الذي يمثل الحشد الشعبي نيابيا ، لتعلن التاضمن مع الحشد والمقاومة وتندد بالعدوان ، وأهمها كان لزعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ولرئيس تيار الحكمة السيد عمار الحكيم ، بينما أكدت قيادات الحشد الشعبي على عزمها على رد مؤلم على العدوان الأميركي ، وشهدت بغداد إطلاق قذائف صاروخية على قاعدة التاجي التي يتواجد فيها جنود وضباط أميركيون .
مصادر سياسية متابعة توقعت أن يرخي الحدث العراقي بظلاله على مساعي تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان ، حيث يصعب توقع التعامل الأميركي إيجابا مع حكومة تدعمها قوى المقاومة ، بينما يمكن أن تتطابق مهلة الشهر العراقي اللازم لتبلور المشهد الجديد بعد التصعيد ، مع مهلة الشهر الباقية من عمر المهلة التي حددها الرئيس المكلف حسان دياب لولادة حكومته ، بعدما مرت عشرة ايام من السابيع الستة التي توقعها لولادة الحكومة ، التي تحتاج لهذا الوقت لإنضاجها على نار هادئة ، يوفرها مناخ شعبي مؤات عبر عن نفسه بخلو الساحات من الحشود التي تمت دعوتها للمرة الثانية في يوم الأحد الذي يشكل ذروة الحضور في الساحات ، وهذا وفق مصادر متابعة للحراك تعبير عن منح الناس فرصة للرئيس المكلف خلافا للدعوات التحريضية ضده ، التي لا تجد إلا بعض مناصري تيار المستقبل للتجاوب معها .
2019-12-30 | عدد القراءات 3790