بين إيران والقنبلة النووية مسافة تصغر نقاط على الحروف ناصر قنديل

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

 

  • لم يعرف العالم دولة مثل إيران تحرص على بقائها ضمن حدود الأهداف والضوابط السلمية لملفها النووي ، وتملك كامل المقدرات لنقله إلى المستوى العسكري وحمايتها ، وتلقى بالمقابل هذا المستوى من الصد والتيئيس لفرصها بشرعنة هذا الحق المكفول نظريا وفقا للقانون الدولي والمواثيق التي ترعاها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، فقد واجهت إيران عقوبات أممية قاسية تحت عنوان الشك بوجود نوايا لأبعاد عسكرية لملفها النووي ، وبقيت تعاني سنوات من هذه العقوبات ، وتدفع من نموها الإقتصادي ورفاه شعبها ثمن صمودها ، حتى توصلت عن طريق التفاوض إلى التفاهم الذي وقعته وصادقت عليه الأمم المتحدة ، والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا والإتحاد الأوروبي ، وقبلت غيران في التفاهم شروطا تقيدية لقدراتها النووي السلمية تعادل أضعاف القيود القانونية للوكالة الدولية إثباتا لحسن النوايا ، واملا بالوقوف تحت مظلة دولية دبلوماسية قانونية .
  • خلال سنتين من تطبيق التفاهم أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، ومثلها عواصم الدول المعنية بما فيها واشنطن إلتزام إيران بتطبيق صارم لموجباتها في التفاهم ، كما أكدت عدم وجود أي مخاوف من شق عسكري للملف النووي الإيراني ، ومنذ سنتين وعلى مراحل تصعيدية خرجت واشنطن من التفاهم دون اي عذر يتصل بإخلال إيران بموجباتها ، بل بترجمة مباشرة للخلاف السياسي مع غيران حول أوضاع املنطقة وخصوصا الموقف من "إسرائيل" ، وواصلت إيران إلتزاماتها رغم العقوبات المشددة التي لحقت بإقتصادها ، لكن المؤسسات الدولية والدول الكبرى التي تشكل العامود الفقري في هذه المؤسسات والموقعة جميعها على التفاهم النووي مع إيران ، بقيت وهي تؤكد لا قانونية الإجراءات الأميركية العدائية على إيران ، تقول أنها عاجزة عن السير بموجباتها تجاه إيران وفقا لنصوص التفاهم ، والسبب الخوف من العقوبات الأميركية .
  • يأتي إغتيال القائد في القوات المسلحة الإيرانية الجنرال قاسم سليماني بإعلان رسمي من الرئيس الأميركي ، ويؤكد أيضا ان العالم الذي يرى الخطوة الأميركية عملا غير قانوني ، وإعتداء سافرا على إيران ، لا يجرؤ على فعل شيئ ، بل يجامل واشنطن ويتفادى إزعاجها وتنصب الدعوات نحو طهران للمطالبة بضبط النفس ، ووصولا لمطالبتها بالإمتناع عن الرد على الإغتيال ، والخلاصة واضحة أن العالم يخشى القوي ويخضع لقوانينه ، وان الملتزم بالقانون لا مكان له في الحسابات الواقعية ، وسيبقى جانبه مهيضا ، وينظر إليه كجهة مطالبة أحاديا بالتنازلات كلما حضرت معادلة إسمها "الحرص على الإستقرار" ، وإيران تستنتج مرة بعد مرة أن قرارها الصادق والمؤسس على عقيدة دينية ، بعدم إمتلاك قنبلة نووية ، تملك القدرة على إنتاجها ، يتحول إلى عبء على حق شعبها بالعيش ، وعلى أمنها المعرض للإنتهاك ، وعلى كرامتها الوطنية المعرضة للطعن ، والأهم أن في إيران من بات يتساءل ، هل بات طريق حفظ الإستقرار والسيادة والكرامة معا هو إمتلاك القنبلة بدلا من الإمتناع عن إمتلاكها ؟
  • السؤال الذي تتداوله اوساط مهمة في النخبة الإيرانية اليوم ، هو ماذا لو كان لدى غيران قنبلة نووية ، هل كان ليتجرأ ترامب على التمادي ، وهل كان الإستقرار الذي سيهتز اليوم في المنطقة حكما معرضا للإهتزاز ، والجواب الذي لم يتوضح بعد كان قد لمح إليه الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما ، بقناعته أن أقصر طريق لدفع إيران لإمتلاك القنبلة هو إشعارها بخطر الحرب ، فالمسافة التقنية بين غيران والقنبلة أقصر بكثير من المسافة العقائدية ، ومتى سقطت العقدة العقائدية وصارت فتوى الإمام الخامنئي أن إمتلاك القنبلة شيئ وغستخدامها شيئ آخر وأن التقييد الشرعي يطال الإستخدام وليس الإنتاج ، لابل إن إنتاج القنبلة ضامن للسلم ورادع للعدوان ، سيتغير الكثير وبسرعة ، وسيكتشف الذي تهاونوا مع العبث الأميركي بأمن المنطقة وتوازناتها وإقتصادها ، أنهم دفعوا إيران نحو الطريق الذي كانوا يظنون أنهم يبعدونها عنه .

2020-01-06 | عدد القراءات 16223