لم تكن الحكومات في تاريخ لبنان هي حكومات المرتجى ، فهي دائما حكومات أفضل الممكن ، طالما أن النظام السياسي الطائفي يقطع الطريق على تشكيل حكومة غالبية ومعارضة وازنة تواجهها في المجلس النيابي خارج إعتبارات الحسابات الطائفية ، وطالما تدرك القوى السياسية قواعد اللعبة الطائفية وتحسن إستخدامها لتحسين شروطها التفاوضي في المحاصصات الطائفية والسياسية التي تخضع لها الحكومات
حتى عندما جاء إلى رئاسة الحكومة من لا يمثل الغالبية في طائفته لم تكن الحكومة إلا أفضل الممكن حيث كان الحاضر الغائب في سلوك رئيس الحكومة إسترضاء من يمثل الغالبية في طائفته ونقل شروطها وتحويلها إلى قرارات حكومية حتى نشأت معادلة أفضلية تولي الرئاسات من ممثلي الغالبيات في الطوائف
مع ولادة الحراك الشعبي دخل متغيران جديدان على الحياة السياسية أولهما وصول محاولة توظيف الحراك لتحسين شروط ممثل الغالبية في طائفته للعودة إلى رئاسة الحكومة وثانيهما وصول رئيس مكلف لا يضع نصب عينيه إسترضاء ممثل الغالبية في طائفته بوجود شارع شعبي كبير يمثله غضب الشارع يمكن أن يمثل بديلا للتغطية الطائفية التي بحث عنها كل رئيس حكومة .
نشوء الأزمة الحكومية بين بعض قوى الغالبية النيابية والرئيس المكلف جاء نتيجة لهذا المستجد وهو تاثير مستمر حيث كل خلاف مع الرئيس المكلف لتثقيل شروط المحاصصة ينتج مزيدا من إمتلاك الرئيس المكلف للدعم الشعبي الذي يشجعه على المضي بشروطه ويجعل من رفضه للإعتذار سببا إضافيا لقوة بينما اراد ممثل الغالبية في طائفته عرقلته طائفيا لإيصاله للإعتذار.
كل توسيع لنطاق الخلاف بين قوى الغالبية النيابية والرئيس المكلف يعبر عن مراهقة سياسية في ظل عدم وجود خيارات وبدائل أفضل وغياب أي منطق لتفسير النزاع بصورة تعبر عن مسؤولية سياسية عن الإلتزام بعمل إنقاذي لبلد يغرق ويستحق الإبتعاد عن لغة المحاصصة وكل تفكير بلعبة جهنمية إسمها نزع التكليف أو التلويح بها هو عبث سيؤدي إلى نتائج خطيرة تعقد الوضع بدلا من تسهيل الحلول فالرئيس المكلف عندها سيحظى بقاعدة طائفية يفتقدها اليوم حيث سينظر لنزع التكليف كإعتداء طائفي على طائفة وسنبلغ إنسدادا دستوريا خطيرا لا مخرج منه