الوضع الدولي والإقليمي ونظرة حزب الله للحكومة نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
العلاقة بين الملفات الإقليمية والدولية والأوضاع الداخلية اللبنانية ، تحمل عنوانا رئيسيا لها منذ صارت المقاومة في لبنان وعبر قيادتها التي يمثلها حزب الله ، مصدر القلق الأميركي والغربي على فرضية إستمرار التفوق "الإسرائيلي" العسكري في المنطقة ، وإستطرادا قدرة إسرائيل على خوض حروب الوكالة لصالح الغرب ، وتحول هذا القلق بالتقادم إلى قلق على قدرة إسرائيل نفسها على تحمل تبعات أي مواجهة قادمة مع حزب الله ، وإنعاكسات ومخاطر هذه المواجهة على أمنها ولاحقا على وجودها ، والترجمة الغربية لهذا القلق تقودها واشنطن وتنضوي تحت رايتها بريطانيا أكثر من كل شركائها الأوروبيين هي بتولي بعض جوانب الدعم من المعركة الإسرائيلية مع حزب الله ، من وبوابة التضييق السياسي والدبلوماسي والإقتصادي على الحزب وبيئته الحاضنة وصولا إلى لبنان .
بين القراءة التي لا تعزل الداخل اللبناني عن المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية ، خصوصا من بوابة إستطلاع كيفية تفاعل حزب الله مع المستجدات الكبرى في الإقليم والمواقف الدولية من التعامل مع الحزب ، وتأثيرها على السقوف التي يرسمها الحزب لحركته في الداخل ، والقراءة التي تفتعل علاقة بين كل خبر دولي وإقليمي يتصل بالتعامل الغربي مع حزب الله لتأسيس إستنتاجات تتصل بالداخل اللبناني وتعامل حزب الله مع القضايا الداخلية ، فرق كبير ، يصل حد إمكانية توصيف بعض أصحاب المبالغات بالنوايا السيئة لتحميل حزب الله مسؤولية تخريب معادلات داخلية ، تحت شعار أن الحزب في ضوء المتغيرات يبدو بحاجة لمزيد من التصلب في شروط هنا وحسابات هناك ، أو إخفاء مطالب وشروط داخلية تحت شعار أن المرحلة والمخاطر التي يواجهها حزب الله تستدعي مزيدا من التحسب ، أو أن ما كان صالحا قبل كذا لم يعد صالحا بعده ، والغمز من قناة حزب الله .
بعد إغتيال القائد قاسم سليماني بأيام ، وخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي قال فيه أن ما قبل إغتيال سليماني ليس كما بعده ، رافعا شعارا للمرحلة هو إخراج القوات الأميركية من المنطقة ، أبلغت قيادة حزب الله كل من سألها عما إذا ثمة تغيير في الموقف من الحكومة الجديدة ، بأن معادلة ما قبل إغيتال سليماني ليس كما بعده لا تشمل كل السياسات الداخلية لحزب الله وخصوصا ما يتصل بالنظرة لدور الحكومة من مواصفاتها إلى الحاجة الماسة للإسراع بولادتها ، لا بل إن الحاجة لهذا الإنجاز بأسرع ما يمكن زاد أهمية لسببين ، الأول كي يتفرغ حزب الله لما ينتظره في مواجهات المنطقة مرتاحا من هموم الجبهة الداخلية التي يفترض أن تتولاها حكومة لبنانية كاملة المواصفات الدستورية تتحمل مسؤولياتها وتقوم بواجباتها ، وثانيا لقطع الطريق على ما يمكن أن يدخل من مناورات تخريب تأتي من الجهات الخارجية بصورة غير مباشرة وتتسلل لخلق المزيد من التعقيدات بهدف الحفاظ على الفراغ وصولا للفوضى بإعتبارهما البيئة المناسبة للعبث بالداخل وتصعيد مشكلاته إقتصاديا وأمنيا .
يعرف كل المعنيين أن حزب الله لم يغير حرفا من موقفه تجاه الحكومة الجديدة منذ تسمية الرئيس المكلف ، لا بتوصيف الحكومة كحكومة من الإختصاصيين الموثوقين بلبنايتهم وعدم إصغائهم لحسابات ومصالح خارجية ، تحظى بدعم الكتل النيابية التي ستمنحها الثقة وتلاقي أفضل فرص التلقي الشعبي ، ولا مانع من السعي لملاقاتها لبعض فرص التلقي الإيجابي في الخارج طالما أن ذلك لن يكون على حساب المصالح السيادية العليا للدولة اللبنانية ، وحزب الله لم يطرح العودة لحكومة سياسية او شبه سياسية ، ولا تغيرت معاييره للمشاركة ، وهو يتعامل مع التعقيدات التي يلاقيها ملف تأليف الحكومة بعناية الحليف المشترك لجميع المكونات المعنية بالمشاركة فيها ، لتدوير الزوايا والتشجيع على تسهيل مهمة الرئيس المكلف ، لتسريع الولادة .
مرة أخرى تكرر الكلام عن تبدل حسابات حزب الله مع الإعلان عن قرار وزارة الخزانة البريطانية تجميد اصول حزب الله ، ولدى التدقيق بالقرار وخلفياته ومندرجاته ، يظهر بسهولة أن القرار الأهم والأصل كان بإدراج بريطانيا في شهر آذار من العام الماضي وفي ظل حكومة الرئيس سعد الحريري ، لحزب الله بجناحيه السياسي والعسكري على لوائح الإرهاب ، وأن القرار الجديد ليس أكثر من كشف إعلامي متأخرعن ترجمة إجرائية تلقائية في حينها للقرار القديم ، بينما يظهر أن التضخيم الإعلامي الخليجي وبعض التركيز الداخلي على الخبر يهدف ل"تغطية السموات بالقبوات" ، خصوصا من خصوم الحزب الذين يرون في تأخير ولادة الحكومة فرصة لتحميله المسؤولية بداعي حسابات مواجهة قرار "خطير" بتجميد اصول يملكها الحزب في بريطانيا ، وكأن لدى الحزب هذه الأصول ، أو كأن ما بعد تصنيف حزب الله على لوائح الإرهاب أبقى مجالا لعلاقة إيجابية مع الحكومة البريطاينة ، وربما وجد بعض المعنيين بوضع مطالب وشروط لتمثيلهم في الحكومة في الخبر فرصة لتصوير مواقفهم نوعا من الحساب السياسي لا المصلحي .