مليونية بغداد بداية الخروج الأميركي من العراق نقاط على الحروف ناصر قنديل
رمت واشنطن بثقلها لإنجاح حملة التعبئة التي قادتها ومعها حلفاؤها العراقيين والعرب لشيطنة الدعوة للمليونية التي ضجت بها شوارع العاصمة بغداد أمس ، وتعريتها من مشاركة مكونات العراق بين أبناء السنة والأكراد ، ومخاطبة جمهور الشيعة من بوابة عرب وفرس ومرجعيات متنافسة ، وبالسعي لتفعيل الحراك المعارض للفساد والفشل الحكومي الذي يشكلون الأساس فيه ، وإعتبار المليونية تخريبا عليه ، وجاء لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس العراقي برهم صالح مدخلا لنقل تهديدات بالعقوبات ، وبمطالب مالية طائلة إذا تواصل التحرك نحو المليونية ،أما التلويح بالحرب الأهلية فقد خرج إلى العلن من مراجع سياسية محسوبة على الأميركيين ، و مثله توصيف المليونية بالمحاولة الإيرانية للسيطرة على العراق بتجريده من الحماية الأميركية ، وخرج رموز من النظام السابق يخاطبون العراقيين بلغة "قومية عربية" للقول أن المرحلة ليست لإخراج الأميركيين بل لمواجهة الهيمنة الإيرانية ، وتم تنشيط تنظيم داعش للقول أن خطر داعش لا يمكن مواجهته بدون الأميركيين ، لكن المليونية تمت ونجحت وفاق الحضور التوقعات وأدهش كل من له بصر ، فماذا بعد ؟
الخطوة الأولى التي تقول أن لا شيئ سيمنع العراقيين من إطلاق صوت موحد هادر يعلن بدء مسيرة إخراج الأميركيين من بلدهم ، تمت وبنجاح منقطع النظير وشديد الإبهار ، وما بعدها ليس كما قبلها ، لكن كلمة السيد مقتدى الصدر لا تقل عنها أهمية ، فالواضح أنها حملت برنامجا للتحركات ، التي ستتم تحت عنوان الضغط الشعبي والسياسي قبل اللجوء إلى المقاومة المسلحة ، ومنها محاصرة القواعد العسكرية التي يتواجد فيها الأميركيون بآلاف وعشرات آلاف المتظاهرين ، وخوض المواجهة الدبلوماسية والقانونية لإسقاط الصفة الشرعية عن الوجود الأميركي طلبا لجدولة زمنية لخروج القوات الأميركية بصورة نهائية ، وفي نهاية الطريق إعتباره إحتلالا وإعتبار المقاومة طريقا حتميا لإخراجه .
الخطوة الثانية هي تسمية رئيس للحكومة تتفق عليه كتلتا البناء وسائرون ، أي قوى الحشد الشعبي والسيد مقتدى الصدر ، ووضع هدف إخراج القوات الأميركية عنوانا لأولى مسؤوليات الحكومة الجديدة ، ولم يعد ممكنا للأميركيين أن يتجاهلوا هذا المسار السياسي المنطلق بهذا الزخم ، ولا تفادي مخاطر إعلان نهاية المهلة السياسية بعد شهور وبدء أعمال المقاومة ، وعليهم من الآن أن يقرروا خارطة طريق للتحرك ، إما بإتجاه البقاء عنوة وتحمل تبعات معاملتهم كقوة إحتلال ، وفي هذه الحالة سيكون عليهم الإنسحاب إلى كردستان من الآن ، لأن عملية الإنتقال تستغرق شهورا أطول من شهور المهلة السياسية ، وفي هذه الحالة سيكون الإنسحاب الجزئي إنجازا أوليا لمسيرة طردهم من العراق ، لكن عليهم هنا الإجابة عن سؤال لاحق ، كيف سيشرعنون وجودهم في كردستان ؟ فعل يعودون لرعاية مشروع الإنفصال الذي رفضوا التورط فيه من قبل ؟ وهل يتحمل الأكراد اعباء معركة دفاع عن الأميركيين تؤدي لتحولهم إلى أعداء في سائر مناطق الأكراد فيغلقون مناطقهم على أنفسهم نحو العراق وإيران ويرتضون الإختناق كرمى لعيون ترامب ، ثم ماذا بعد ؟ ومن سيعترف بالتقسيم الذي تم التوافق الدولي على رفضه من قبل ؟
الخيار البديل أمام الأميركيين هو الإعتراف بأن زمن خروجهم من العراق قد بدأ ، وأن التجاوب مع طلبات الحكومة العراقية بوضع جدول زمني مشترك لإنهاء الوجود العسكري الأميركي هو أفضل السبل لحفظ ماء الوجه ، وحفظ المصالح الأميركية الأهم في العراق ، وفي هذه الحالة قد يكون مخططهم البديل هو تصعيد المواجهة مع بقايا تنيظم داعش بالتعاون مع الجيش العراقي للوصول إلى لحظة إعلان نهاية التنظيم وإعلان الأميركيين عن إنجاز المهمة وبدء الإنسحاب على توقيت يزعمون أنه توقيت نهاية الحرب على داعش ، وليس نتيجة الضغوط والمطالبات ، لكن في كل الأحوال سيكون على الأميركيين الإعتراف أن ما وعد به قادة محور المقاومة ، بأن ما بعد إستشهاد القائدين قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس غير ما قبله بالنسبة للوجود الأميركي في المنطقة إنطلاقا من العراق .