لا لصندوق النقد الدولي بالخط العريض نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
يدور نقاش حول جلسة اليوم لمناقشة الموازنة قبل نيل الحكومة الثقة ، والأمر بسيط ، فحق للحكومة الجديدة أن تطلب إرجاء الجلسة إذا رغبت لما بعد نيلها الثقة ، وإسترداد الموازنة لتعديلها وإعادة إرسالها ، وهو حل يعطي الحكومة شكلا صورة التمسك بصلاحياتها ، لكنه يعني تأخيرا للموازنة لأربعة شهور على الأقل والتقدم بإقتراح قانون للإنفاق على القاعدة الإثني عشرية ، وما يعنيه من فوارق عن ما تضمنته الموازنة ، وتحمل تبعات ذلك ، ومعه تحمل البقاء بدون موازنة ، فيما يشكل وجود موازنة مصادق عليها من مجلس النواب أحد أوراق قوة الحكومة في التفاوض الخارجي ماليا ، وهي موازنة في جوهرها بلا نفقات تقريبا ، وبلا ضرائب جديدة ، ووارداتها معلقة على الوقائع التي لا تتنبأ بها أي تقديرات مع الجمود والركود ، لذلك يعرف المنتقدون أن الجلسة في مكانها ما لم تتلق رئاسة مجلس النواب طلبا حكوميا مخالفا ، طالما ان الدعوة لعقدها صدرت قبل صدور مراسيم الحكومة الجديدة .
في صلب الموضوع بدأت تسمع اصوات مالية تتحدث عن إعتبار التوجه لصندوق النقد الدولي خيارا أحاديا لا يجب تفاديه ، سواء في ظل إنسداد متوقع لأبواب المانحين في سيدر وغيره ، رغم بعض الكلام الفرنسي الجميل ، وفي ظل إمساك واشنطن بقرار البنك الدولي والممولين العرب ، وقرارها بقطع الأوكسجين المالي عن الحكومة ، وهذا كما يقال أحد اهم اسباب إعتكاف الرئيس سعد الحريري عن التقدم لتولي رئاسة الحكومة ، بإنتظار أن تربح واشنطن على حزب الله فيعود بشروط ترضاها واشنطن ، او تسلم واشنطن بلا واقعية شروطها بعد صمود حزب الله ، فيعود الحريري بلا شروط ، وبغض النظر عما إذا كان البعض يريد عودة الحريري أم لا يريدها ، أم لا يعتبر الموضوع جديرا بالنقاش اليوم ، فالأهم هو أنه خلف ستار حركة الحكومة تختفي معادلة السعي لإختبار الشروط الأميركية على لبنان ، وإقفال الأبواب المالية هو بالتحديد لجعل صندوق النقد الدولي ملاذا وحيدا يتكفل بفرض شروط واشنطن .
يزين ممثلو الصندوق اليوم إستعدادتهم لتمويل لبنان ب24 مليار دولار لأربع سنوات ، منها 8 مليارات دولار للعام الأول ، فهل نعلم ما هي شروط الصندوق ، ولمن لا يعلم يجب التوضيح أن للصندوق خبرات وتجارب تتحدث عن شروطه ، أولها الدخول على ثروات النفط والغاز كضمان للديون ، وإستعجال إستثمارها بإشراف الصندوق ، وضمنا تسريع ترسيم الحدود البحرية كشرط لقوننة عمليات الإستثمار ، وهذا يعني قبول لبنان بخط أزرق بحري تنال بموجبه إسرائيل ما تريد من سرقة لثرواتنا ، وثاني شروط الصندوق إدارة بيع ممتلكات الدولة اللبنانية من كهرباء وشبكات إتصالات كخردة بأبخس الأسعار لشركات عالمية ووكلائها المحليين ، وثالث الشروط تخفيض الرواتب ب50% وزيادة الضرائب وجعل ضريبة القيمة المضافة 20% ، ورفع سعر صفيحة البنزين إلى 50 ألف ليرة ، ورفع تسعيرة الكهرباء ، وصولا إلى تحرير سعر صرف الدولار ، وبيع الذهب .
إن فاتورة الإعدام التي تنتظر لبنان هي بقبول التفكير بوصفات صندوق النقد الدولي ، وبدلا من أن يتلهى من يسمون أنفسهم بالثوار ، بإغلاق الطرق أمام مجلس النواب ومنع إنعقاد الجلسة ، كان ينتظر أن يخرج عاقل من بين صفوفهم يقول يجب الضغط على مجلس النواب والحكومة للحصول على توصية نيابية وتعهد حكومي بعدم التورط بوصفات صندوق النقد الدولي ، وما نريده هو أن نسمع في قاعة المجلس النيابي أصواتا إصلاحية صارخة برفض وصفات الصندوق تطلب تعهدا حكوميا واضحا برفضها .
لا احد يمانع بالسعي للحصول على قروض وهبات دون شروط تتعدى إلتزام لبناني بمكافحة الهدر والفساد ، أما المطلوب إذا تعذر ذلك ، فهو برنامج وطني للإصلاح المالي والإقتصادي ، متاح وقادر على نقلنا من الفشل والإنهيار إلى النمو والتقدم ، ومدخله الإقرار بأننا لسنا في حال إفلاس ولا نعرض تفليسة للبيع ، بل نحتاج إلى قيادة مخلصة وجدية وتعتمد العلم في نقل التضخم الورقي في الديون و التراكم الفوضوي غير الموثق للثروات لدى الدولة ، إلى تسنيد الملكيات بأسهم إستثمارية ومبادلة نسب مقوننة منها بنسب مهمة من الديون ، ومثلها فتح الباب لإستبدال نسبة مهمة من الودائع الكبرى التي باتت ورقية لدى المصارف ، بنسبة مهمة إختيارية من الملكيات الكبيرة المسجلة كأصول لدى المصارف ، والودائع المعنيةمستثمرة غالبا منذ زمن في سندات الخزينة ما أتاح لها تحقيق أرباح طائلة ، ويدرك اصحابها أنها مهددة بالضياع إذا بلغ الوضع حد الإنهيار .
المطلوب خطوة شجاعة تقوم على إدراك أن الإقتصاد فعل تقرر قوانينه الطبيعة وفي طليعتها الجغرافيا ، وأن إقتصاد لبنان يعاني لأنه يعمل ضد الطبيعة تلبية لرغبات سياسية قررت عزله عن محيطه الطبيعي فينقطع عن سورية والعراق بفرار سياسي ، بينما بوابة تنفسه بالإنفتاح عليهما ، والتكامل الإقتصادي يحل مشاكل المحروقات والكهرباء ويعيد النازحين و يفتح الأسواق أمام المنتجات الزراعية والصناعية ، ويحرك المرافئ لتجارة الترانزيت ويشغل مصفاة طرابلس بتشغيل أنبوب نفط كركوك طرابلس ، و يضخ الحياة في المصارف والجامعات والمستشفيات ، لكن السياسة منعت ذلك .
من يريد أن يقول لواشنطن أننا صمدنا ، وتخطينا الصعب ، ومن يريد للحكومة أن تعيش طويلا ، معني بأن يسلك طريق التكامل مع سورية والعراق بدلا من إنتظار بعثة صندوق النقد الدولي ، تحت شعار إنتظار معرفة ما لديهم ، "لأن بعض الظن إثم" ، التي لا تفيد عند الحديث عن آثم معلوم ، ما أتفه التبريرات عندما تطلق لتغطية التنازلات !