إذا توحّد الفلسطينيون خسرت «إسرائيل» نصف الحرب، وإذا توحّد العرب خسرتها كلها، كان يقول مؤسس كيان الاحتلال ديفيد بن غوريون، وإذا توحّد الفلسطينيون قطعت نصف الطريق نحو وحدة العرب، لأنه يستحيل تخيّل قدرة عربية على التنكّر للقضية الفلسطينية أو للتعامل مع كيان الاحتلال بلا غطاء فلسطيني.
تقييم أضرار صفقة القرن يجب ألا يُخفي حقيقة أن من أهم نتائجها تحقيق هذه الوحدة الفلسطينية التي تحجب بوجودها الهامش الذي بنى عليه أغلب الحكام العرب مبررات تخاذلهم تجاه فلسطين بتنمية خط تفاوضيّ فلسطينيّ يختبئون وراءه بالقول، نرضى ما يرضاه الفلسطينيون، وها هم يتلعثمون بسقوط هذه المعادلة وسقوط آخر فرصة لوجود فلسطينيّ واحد يرحّب بصفقة القرن أو يتجرأ على اعتبارها مشروعاً قابلاً للنقاش والتفاوض.
النتيجة الثانية التي أنتجتها صفقة القرن هي إزالة الوهم الذي جرت زراعته بأيدٍ عربية وفلسطينية تولّت تسخيف خيار المقاومة وتشجيع الرهان على الخيار التفاوضيّ وإبقاء أوهام التسوية كطريق لاستعادة جزء هام من الحقوق الفلسطينية من خلالها، وهكذا بقي خيار المقاومة تحت ابتزاز تضييع فرص تسويات منصفة وممكنة، كانت حجتها تنطلق من موقف أميركي رمادي يتحدّث بالعموميات عن تسوية تقوم على القرارات الدولية، ومعها نظرية أن أميركا لن تترك مصالحها الهائلة مع العرب كرمى لعيون «إسرائيل»، وجاءت صفقة القرن وهدمت كل هذا البنيان.
الوحدة الفلسطينية ومن خلالها الارتباك العربي وتلعثم الخطاب الذي يسوّق للخيار التفاوضي ولوهم التسوية، مكاسب هائلة لخيار المقاومة على مستوى الثقافة الشعبيّة الفلسطينيّة والعربيّة، التي ثبت أنها ثقافة لن تقبل الاستسلام، وتجد نفسها معنية بعد انسداد أبواب التسوية وتبدّد أوهامها بالبحث عن بدائل لنيل الحقوق لتجد المقاومة بديلاً وحيداً.
ناصر قنديل
2020-01-31 | عدد القراءات 16308