يشارك وزير الخارجية اللبنانية الدكتور ناصيف حتي في إجتماع لوزراء الخارجية العرب لمناقشة صفقة القرن وتداعياتها ، وإتخاذ الموقف منها ، ولبنان مرتبك بين كيفية عدم خسارة شعرة معاوية التي تربطه بمصادر التمويل العربي والغربي ، التي تنتظر ما سيقول في هذا الإجتماع ، وبين مصالحه العليا التي تفترض التنبه لما تمثله خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية من إسقاط لحق العودة ، وتمرير مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين ، الذي سيكون لبنان نصيب منه ، وما لا يخفى على أحد من ربط التعامل مع الأزمة المالية اللبنانية وضغوطها لتوظيفها في كسر ممانعة لبنان للتوطين ، وهذه كلمة إفتراضية لمعالي وزير الخارجية عساه يقرأها قبل أن يلقي كلمته في الإجتماع :
- أيها الزملاء الأعزاء ، وأنا في طريقي لحضور هذا المؤتمر ، إستعرضت في مخيلتي ما كان جزاء أسلافي الذين إتخذوا مواقف تتمسك بالحقوق العربية وفي مقدمتها الحق الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة ، وعاصمتها القدس وحق العودة لللاجئين الفلسطينيين ، وكيف نظرتم لمواقفهم بعين الغضب ، خصوصا لدعوتهم لكم لإعلان موقف حاسم صارم لا يقبل المساومة على هذه الحقوق، وتذكرت حال بلدي وكيف ينوء تحت أعباء أزمة مالية خانقة تهدد بالإنهيار ، وكيف ان مساهمتكم المالية الكريمة التي لا تشكل إلا البعض اليسير من مئات المليارات التي تبرعتم بها لصاحب الصفقة ستنتقل ببلدي من الإختناق إلى الإنتعاش ، فقلت في نفسي إن المسؤولية الوطنية تستدعي مني أن أكظم غضبي النابع من عروبتي وعملي لسنوات طوال في الدفاع الديبلوماسي عن حقوق الشعب الفلسطيني بإسم جامعتنا العربية الموقرة ، وأن أتحدث بلغة تقوم على التورية لا الوضوح ، وعلى المرواغة لا المبادئ والإستقامة ، فأقول أن حكومة بلادي ستقف وراء الإجماع العربي الذي يتمخض عنه هذا الإجتماع ، وأدعو في قلبي بعكس دعائي الدائم بالتوافق دائما ، فاقول في سري ألا يوفق الله إجتماعكم بتوافق سيكون في حال حصوله كارثة يضيع معها ما تبقى من حقوق الفلسطينيين ، وأن آمل بأن يلهم الله بعضا من حضوركم العالي المقام شجاعة تعطيل هذا الإجماع بإشهار رفض الصفقة ومندرجاتها .
- عندما دخلت القاعة أيها الزملاء الأعزاء ، تذكرت أن الأفضل ربما يكون تذكيركم بأننا معا قمنا بإقرار المبادرة العربية للسلام في القمة العربية التي إستضفاتها عاصمتنا بيروت في العام 2002 ، وأن الحديث عن الإجماع ينطلق من إجماعنا على المبادرة ، التي تضمن التمسك بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس والتمسك بحق العودة لللاجئين الفلسطينيين ، وأن هذا سيشكل اساس لتلاقينا على المبادرة وما تنص عليه ، ويريحنا من عناء الخلاف ، ومن أزمة ضمير بقبول التنازلات المذلة عن الحقوق ، ونترك الأمر هنا ، ثم دفعتني خبرتي الدبلوماسية إلى التساؤل ، ماذا لو تمت إضافة المبادرة العربية للسلام إلى مرجعيات التفاوض مع مشروع صفقة القرن ، وهذا يعني جعل صفقة القرن مرجعية أحادية طالما أن المبادرة مرفوضة كمرجعية من قبل الإسرائيليين ، فأحسست بأني أرتكب الخيانة بتمهيد الطريق لضياع القضية والحقوق .
- ثم فرغت أيها الزملاء الأعزاء إلى نفسي قليلا ، فقلت لم لا أستند في كلمتي إلى إعتبار آخر يشكل سببا منطقيا اقوى ولا يحرجني معكم ولا يغضبكم فأقول ، إننا نرضى للفلسطينيين ما يرضون لأنفسهم ، وأنا أثق أن المعروض في الصفقة على الفلسطينيين سيتكفل بجعل أكثرهم مرونة ثائرا يفكر بحمل السلاح ، ومغادرة لغة التفاوض ، وإعلان سقوط زمن التسويات ، فأتقي شر الخلاف معكم ، واضع كل رهاني على الرقم الفلسطيني ، الذي لن يخذلني ، وربما أكون بذلك قد فتحت الباب لبعض منكم يعيش إحراجا بين خياراته السياسية وضميره ، ويجد في هذا المخرج بابا يلبي ما يرغب به ، فيكثر الذين يفعلون مثلي ويخرج الموقف بالتوافق على إعلان دعم الجامعة العربية لما يريده الفلسطينيون لأنفسهم ، فهم أصحاب القضية ، ولهم الكلمة الفصل .
- عندما إعتليت منصة الكلام أيها الزملاء الأعزاء سألت نفسي عن سر إرتباكي ، فصارحتها أنه الخشية من فقدان فرص التمويل ، فسألتها مجددا وماذا يعرض علينا كلبنانيين لقاء قبول التوطين والتنازل عن تمسكنا بحق العودة ، فقت لنفسي ، إنه المال أيضا ، فإنتبهت إلى أن اي لغة منمقة أتحدث بها لتفادي الرفض الواضح للصفقة وأولى مندرجاتها إسقاط حق العودة ، بداعي الحرص على بعض المال ، سيعني أن لبنان مستعد لتفادي رفض مشابه لما يعنيه مباشرة ، وهو التوطين مقابل مال أكثر ، فقررت أن أكتفي بكلمتين لكم ، لو جاع كل اللبنانيين ، وماتوا وعاشوا ثم ماتوا وعاشوا ، لما وجدتم بينهم من سيقبل بالتوقيع على التوطين ، الذي يشكل ركيزة من ركائز هذه الصفقة ، التي لا تتأسس إلا على معادلة هاتوا حقوقكم وشرفكم وكرامتكم وخذوا مقابلها مالا ، وبكل اسف فإن المال الذي سيعرض على بعضنا سيكون مال بعضنا الاخر ، و لذلك فإنني بإسم الشرف والحق والكرامة أدعوكم لقول لا واضحة لهذه الصفقة المهينة ، لعلها تنقذ ما تبقى لنا من شرف وحق وكرامة .
2020-02-01 | عدد القراءات 20935