حكام العرب في مأزق وليس لبنان...فلا تبتزوا دياب ! نقاط على الحروف ناصر قنديل
تتعرض حكومة الرئيس حسان دياب ، التي لا تتبنى إنحيازا مسبقا لأي رأي أو محور إقليمي ، للإبتزاز تحت عنوان، إياكم وأن تغضبوا حكام الخليج ، فلبنان في مأزق ويحتاج إلى عطفورحمة هؤلاء الحكام ، عساهم يمنون عليه ببعض من ما لديهم من المال ، وينطلق أصحاب التحذير من معطى معلوم وهو حاجات لبنان المالية ومعطيين خاطئين ، الأول أن قرار دفع المال للبنان من العرب ليس عربيا ، بل هو قرار تتخذه واشنطن ، بمعزل عن كيفية تعامل لبنان مع الحكومات الخليجية ، والثاني هو أن الحكومات العربية والخليجية خصوصا مرتاحة لوضعها ، وآخر همها ما يفعله وما يقوله لبنان واللبنانيون ، بينما واقع الحال وما يجري في المنطقة يعبر عن إرتباك خليجي خصوصا وعربي عموما ، سواء تجاه التجاذب الأميركي الإيراني ومخاوف دفع فواتيره ، أو تجاه صفقة القرن وكيفية التعامل مع الإحراج الذي تسببت به لهم ، وهم في السر شركاء وفي العلن خصوم .
لبنان عموما وحكومة الرئيس دياب خصوصا ، رغم ضغط الوضع المالي الصعب في وضع وصفه السفير الأميركي الأسبق جيفري فيلتمان ، إن أفرج العرب والخليجيون خصوصا عن بعض المال اللازم ، ليس لديهم سبب ليكونوا في موقع سياسي مناوئ ولا يبحثون عن خصام ، وإن لم يفعلوا ، وقد ذكر فيلتمان السعودية بأن ديون لبنان بالعملات الصعبة تبلغ 35 مليار دولار أي أقل من ما تنفقه السعودية على حرب اليمن في عام واحدا ، فعندها سيسلك لبنان بدائل لا تفرح واشنطن وربما دول الخليج ، ويفتح أبواب التفاوض مع روسيا والصين ، سيتغير الوضع إلى غير رجعة ، وللذين يقولون أن المال عند العرب والغرب ويختصرون الحديث عن المقارنة بروسيا فيتذاكون بالسؤال ، وهل روسيا لديها مال لتعطيه ، لا بد من إجابتهم أننا في النفط والغاز والخيارات الإستراتيجية نتحدث عن روسيا ، أما في المال والشركات الناجحة في مجالات الإتصالات والموانئ والسكك الحديدة والمطارات والكهرباء ، وهي تنفذ أهم المشاريع فيالغرب نفسه ، فالحديث هو عن الصين وليس عن روسيا ، ويجب أن يقترن بالتذكير أن اكبر حامل لسندات الخزينة الأميركية هي الصين ، بما يزيد عن 3،6 تريليون دولار ، ومعلوم أن لا الصين ولا روسيا ستبديان الإهتمام بلبنان إذا لم يكن لهما فيه نصيب سياسي ، ولهما عنده مكانة مميزة ، وهذا إن حدث يعرف العرب أن لبنان ليس في مأزق ، على ذمة فيلتمان ، الذي نصح حكومة بلاده والحكام العرب بتمويل لبنان وعدم الدفع بالأزمة أكثر ، كي لا تذهب الأمور إلى خيارات يصعب التراجع عنها .
في السياسة جاء إجتماع وزراء الخارجية العرب وما بعده الإسلامي ، ليقولا أن الخطاب اللبناني كان الأكثر إنسجاما مع نفسه ، فلبنان مناهض لصفقة القرن تمسكا منه بالقضية الفلسطينية وإدراكا منه أنها قلب قضايا المنطقة وأزماتها ، وكل حل لها على حساب حقوق الشعب الفلسطيني سيزيد من التأزم والتوتر ، وفوق ذلك لإجماع اللبنانيين على أن الصفقة تنهي حق العودة لللاجئين الفلسطينيين وتستبدله بتوطينهم في بلدان اللجوء ، وهو ما يرفضه اللبنانيون ويعرفون مدى تأثيره السلبي على توازناتهم وسلمهم الأهلي ، بينما أغلب الحكام العرب الواقفين في خندق واشنطن فقلوبهم مع الصفقة ، لكنهم يدركون بعقولهم أن ما سبق وقالوه لشعوبهم تبريرا للتهرب من مسؤولياتهم نحو فلسطين قد صار اليوم قيدا عليهم ، فهم أصحاب شعار ، نكون وراء الفلسطينيين فيما يختارون وما يقبلون وما يرفضون ، وها هم الفلسطينيون يقولون لا مدوية لصفقة ترامب ، فوجد العرب أنفسهم في الجامعة وفي المؤتمر الإسلامي ملزمون بقول ما لا ينسجم مع ما فعلوا لتصير الصفقة مشروعا على الطاولة ، وحكام العرب يحتاجون لبنان المناوئ للصفقة والذي يملك مقدرات ودور بقوة مقاومته يحسب له الإسرائيليون ألف حساب ، ويشكل إلى جانب الفلسطينيين عقبة كبيرة بوجه مرور الصفقة ، ولبنان الذي سيذهب إلى سورية من باب مصلحته الوطنية والإقتصادية منسجم مع نفسه ، بينما أغلب الحكام العرب في مأزق فهم يدركون حاجتهم أمس قبل اليوم واليوم قبل الغد لإعادة أفضل العلاقات مع سورية ، لكنهم ممنوعون بقوة القرار الأميركي من فعل ذلك ، فيستطيعون تحميل المسؤولين اللبنانيين الذاهبون إلى دمشق التحيات والإعتذارات ، ويراهنون على القول لاحقا ، نحن شجعنا اللبنانيين للذهاب إلى دمشق ، أو إلى بغداد .
المواجهة الدائرة في المنطقة بين إيران ومعها محور المقاومة من جهة ، وأميركا من جهة مقابلة ، ليست معركة قابلة للتحول إلى حرب كبرى ، وإن حدث ذلك ستكون دول الخليج مسرحها أكثر من لبنان ، لكن كما يبدو فنهايتها تسوية تضمن خروج الأميركيين ، وحفظ ماء وجههم ، وترتيبات جديدة في المنطقة ، وهذه الترتيبات تؤكدها الخطوات الأميركية نحو إعلان صفقة القرن وهي تدرك إستحالة تحولها إلى مشروع عملي لتكون إبراء ذمة تجاه كيان الإحتلال ، لأن واشنطن تدرك أنها كي تذهب إلى التسوية مع إيران ومحور المقاومة يجب أن لا تحمل إسرائيل معها ولا تحمل مطالبها ، ولذلك فعليها أن تمنح لإسرائيل ما تستطيع كي تتمكن من الذهاب للتسوية ولا تتهم بخيانة إسرائيل والتخلي عنها ، لكن في النهاية سيربح دورا من يملك رصيدا في المحور الذي ستكون له الكلمة العليا في المنطقة ، ومن حظ العرب أن يمنحوا لبنان اليوم بعضا من مال ، أملا بأن يمنحهم لاحقا بعضا من نتائج الدور .