6 شباط : إسقاط 17 ايار ...وإسقاط صفقة القرن ! نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
يتعامل الكثيرون بإستخفاف مع إلتزام قوى وحكومات محور المقاومة بإسقاط صفقة القرن ، ويستعينون بكل ما لديهم من وسائل التعجب للقول إنها أميركا يا جماعة ، ومعها الغرب والعرب ، وما تقوله ثمرة دراسة وتوظيف مقدرات ، وليس من الواقعية توقع سقوط صفقة القرن بعدما أعلنها الرئيس الأميركي ، بل يمكن الإكتفاء بإعلان الإعتراض عليها ، ويستعينون بالذاكرة ليستحضروا مثال كامب ديفيد ، ليضيفوا أن أربعة عقود مضت على توقيعه ولا يزال على قيد الحياة ، ورغم وجود معارضة واسعة له بقي أمرا واقعا ، وكي يكون النقاش مبسطا وسهلا على هؤلاء ، لن نغوص في الفوارق الكبيرة بين حالتي كامب ديفيد وصفقة القرن ، حيث لا وجود لشريك فلسطيني في صفقة القرن مقابل وجود رئيس مصري يزور القدس ويعلن إستعداده للتوقيع في كامب ديفيد ، وحيث الموضوع في صفقة القرن يتصل بالقدس ومستقبلها ، بينما يتعلق الأمر بسيناء في كامب ديفيد ، ومقابل تضمين صفقة القرن منح القدس لكيان الإحتلال ، قامت تفاهمات كامب ديفيد على عودة سيناء لمصر ، لكننا سنتخطى كل ذلك ونخفض مستوى النقاش بالعودة إلى الذاكرة فقط والمقارنة مع مخزونها .
عندما إجتاحت قوات الإحتلال العاصمة اللبنانية بيروت ، وكشفت بوضوح عن تفاهمات دولية وعربية سبقت الإجتياح مضمونها أن يكون لبنان الدولة العربية الثانية التي توقع إتفاق سلام مع "إسرائيل" بعد مصر ، جاءت القوات الأميركية إلى بيروت من ضمن تشكيل إطار قوات متعددة الجنسيات شاركت فيها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وتمركزت في العاصمة بيروت ، وقام الخبراء الأميركيون بإعادة بناء وتسليح وتنظيم الجيش اللبناني لمواجهة أي إعتراض قد يواجه مشروع الإتفاق المطلوب بين لبنان وإسرائيل ، وبدأت المفاوضات فورا ، برعاية أميركية تولاها المبعوث الرئاسي الأميركي من اصل لبناني فيليب حبيب ، وخلال شهور قليلة أنجز الإتفاق الذي عرف بتاريخ إقراره في 17 أيار 1983 ، وصادق عليه وزير الخارجية الأميركية آنذاك جورج شولتز ، وخلال عشرة شهور إمتدت حتى 6 شباط 1984 كان الأميركيون يتلقون الضربات القاتلة ، وكان الجيش الذي بنوه يتشقق وينهار ، وكانت المقاومة بوجه الإحتلال تبلغ مراحل متقدمة تفرض إنسحابات على جيش الإحتلال بعد الإنسحاب الأول من بيروت ، وخلال أسابيع رحل الأميركيون وبدأ مسار سياسي إنتهى بإسقاط إتفاق 17 أيار .
ما أشبه اليوم بالأمس ، لكن مع فوارق الغلبة لليوم ، فإسرائيل تواجه اليوم في فلسطين والمنطقة ما لم يكن موجودا يومها ، حيث تقع منشآتها الحيوية في مرمى صواريخ المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية ، ومحور المقاومة يخوض مواجهة عنوانها إخراج الأميركيين من المنطقة ، وأين مقدرات الذين أخرجوا الأميركي من لبنان قياسا بمقدرات الذي يسعون لإخراجه اليوم ، ويومها كان أميركا وإسرائيل في مرحلة صعود القوة ، وهما اليوم في مرحلة الإنحدار ، أما الموقف العربي فيكفي أن نستعيد دعم قمة الدار البيضاء لتوقيع لبنان على الإتفاق بإستثناء سورية ورئيسها الراحل حافظ الأسد الذي تعهد بإسقاط الإتفاق ، كما تعهد السيد علي الخامنئي اليوم بإسقاط صفقة القرن وموتها تحت عين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وهو على قيد الحياة ، وموضوع 17 أيار كان لبنان بينما موضوع صفقة القرن هو القدس والعودة وفلسطين، واللبنانيون كانوا منقمسين حول الإتفاق بينما يتوحد الفلسطينيون في رفض الصفقة ، وأميركا هي التي تدرس كل شيئ وتخطط وتحسب الإحتمالات ، وتجهز الفرضيات وتصدر الأوامر للعرب ، فلماذا لم يتجرأ أحد منهم على إعلان التأييد لصفقة القرن وقرروا رفضها في الجامعة العربية ، بينما أيدوا إتفاق 17 أيار قبل أن يولد ، وكيف فاجأتهم الأحداث وإضطروا للهرب بحرا ، وترك الإتفاق يسقط ؟
الشيئ بالشيئ يذكر ، لأنها أميركا ، التي طوت الصفحة ومضت عندما تحققت من أن شيئا لن يغير المعادلة ويعيد الإتفاق إلى الحياة ، فتركت الذين راهنوا عليها يواجهون مصيرهم وحدهم ، وتتمة الحكاية المعلومة جديرة بالتذكر للذين يقعون في وهم الرهان اليوم ، وما أشبه الأمس باليوم ، ونحن في ذكرى إنتقاضة 6 شباط ، التي ربما ينظر إليها بعض اللبنانيين كفصل من فصول الحرب الأهلية ، وننظر إليها كبوابة عبور من زمن الإحتلال إلى زمن المقاومة ، ومن بوابتها ننظر بعين التقدير والإجلال والإكبارلرمزها الرئيس نبيه بري ، وننتظر نبيه بري عراقي يستثمر تضحيات كل المقاومين ليخرج الأميركيين ، ونبيه بري فلسطيني يقود وحدة سياسية وعسكرية بوجه مشروع الإحتلال ليسقط صفقة القرن .