الحكومة ورئيسها ومستقبلها وإمتحان اليوروبوند نقاط على الحروف ناصر قنديل
نقاط على الحروف
ناصر قنديل
وفرت أزمة نظام المحاصصة والنتائج الكارثية للسياسات المالية ، وما نتج عنهما من إنتفاضة شعبية عارمة صمدت شهرا كاملا قبل إنفكاك الناس رفضا للفراغ والفوضى والتلاعب السياسي بأهدافها ، المناخ لفرصة إستثنائية ولدت في قلبها حكومة يترأسها شخص من خارج النادي التقليدي ويحمل أفكارا مدنية عصرية ، وملتزم بوطنية وعروبة لا تجعلانه رئيسا لحكومة مقاومة من جهة لكنهما تضمنان عدم تحول حكومته إلى مصدر تآمر على المقاومة أو تنازل عن الحقوق الوطنية ، وإذا تغاضينا عن كل نقاط الضعف التي رافقت تشكيل الحكومة ، خصوصا لجهة حضور المحاصصة بطريقة أفقدتها بعض الزخم المطلوب وكثيرا من الروح المدنية اللازمة ، تحضر قضية سندات اليوروبوند كأول إمتحان جامع للكثير من العناوين لتجعل من كيفية تعامل الحكومة مع هذا الإستحقاق مصدرا لتقرير مصيرها وحسم هويتها .
تتجمع في قضية سندات اليوروبوند مجموع الأزمات المحيطة بولادة الحكومة ، والتي تتهدد لبنان ، سياسيا وإقتصاديا ، فالإستحقاق صار مدخلا لفرض حضور صندوق النقد الدولي صاحب المشاريع المشبوهة لإفلاس الشعوب والدول الفقيرة ، والإستحقاق يختصر مشروع هيمنة المصارف على السياسات المالية ، وتحكم مصرف لبنان بإحتكار المعلومات ورسم القرارات ، والعلاقات بالخارج ، والواضح رغم تباينات مصالح شخصية رئاسية وتحكم صراع نفوذ في القطاع بين رئيس جمعية المصارف وحاكم المصرف المركزي ، أن الدفع يتم بإتجاه واحد ، هو سداد لبنان للموجبات أو تهديده بإعلان إقلاسه ، وتزيين الإفلاس كطريق وحيد لإعادة هيكلة الدين ، وذلك طبعا سيتم عندها بوصاية أجنبية ، بعد وضع اليد على موجودات لبنان في الخارج وفي طليعتها الذهب .
ما قامت به المصارف من تهريب للأموال فاق العشرة مليارات دولار خلال عام الأزمة ، التي كانت تتقاسم معلوماتها مع مصرف لبنان ، ويتقاسمان معها بث الطمأنينة الزائفة بين اللبنانيين ، تبعه بيع مزيف لسندات اليوروبوند التي تحملها المصارف لحساب زبون متفق معه على عملية صورية ، بهدف الضغط على الدولة للسداد وضمان بقاء الأموال التي ستبقى عائدة للمصارف حاملة السندات ، خارج لبنان ، ما يعني عملية تهريب إحتيالية ستتكرر مع كل إستحقاق مشابه ، وهذا يعني أن حكومة الرئيس حسان دياب معنية بحسم هويتها وإستقلاليتها وتظهير شجاعتها ، من خلال الطريقة التي ستتعامل من خلالها مع هذا الإستحقاق ، فإن رضخت إنتهى أمرها ، وقصر عمرها ، ونجح مخطط إستخدامها لملء الفراغ حتى يحين موعد عودة الرئيس سعد الحريري الذي بدا وقد رمم علاقته بمحوره الدولي والإقليمي والإنتظار ، حتى تحين ساعة القطاف أو التفاوض الإقليمي الدولي مع محور المقاومة ، لتسويات في المنطقة ومنها لبنان .
ما سيجعل حكومة الرئيس حسان دياب مختلفة ، ويفتح لها ولرئيسها صفحة في مسار لبنان وسياساته ، وفي وجدان شعبه ونخبه المتطلعة للتغيير ، هو أن ينتبه الرئيس دياب إلى أن الأمل معقود عليه بمعزل عن الكثير من أعضاء حكومته الذين يشكلون إمتدادا للتشكيلات الحكومية التي عرفها لبنان ، ولبنان لا يحتاج إلى نموذج تقليدي سبق وتم إختبار كل ألوانه ومسمياته وزعاماته ، وإلا لما كان الرئيس دياب اليوم في السراي ، وبيد الرئيس دياب أن يتخذ قراره بشجاعة وإستقلالية ، ويضعه على الطاولة ، ولن يجد من يجرؤ على تخطيه أو تحمل إستقالته ، الآن على الأقل ، والقرار هو ببساطة ، أن على المصارف التي كانت شريكا في لعبة تطيير ودائع اللبنانيين ، وتضخيم ديون الدولة ، أن تقوم بتحمل مسؤولية شراء سندات اليوروبوند المحمولة من جهات غير لبنانية ، المستحقة للعام 2020 ، والإلتزام بتلك المستحقة لاحقا في مواعيد تسبق إستحقاقها وتحددها حسب مؤونتها المالية ، وهذا لا يكلفها مجتمعة أكثر من ملياري دولار سنويا لخمسة عشر سنة قادمة ، وهذا سيتيح لها تحقيق أرباح عليها نظرا لمخاوف حامليها من عدم السداد الحالي واللاحق ، وعندها سيكون متاحا للدولة والمصارف ومصرف لبنان إعادة هيكلة الدين ، بطريقة ترسمل المصارف والدولة ، وتكون مدخلا لسياسات إستثمارية جديدة تنهض بالإقتصاد والقطاع المصرفي والدولة معا .
بالتوازي يتم إعلان تسعير الدولار ب 2000 ليرة لمدة شهرفقط ، يثبت بعدها على ال1750 ، للراغبين ببيع دولاراتهم والراغبين بتحويل ودائعهم من الدولار إلى الليرة لسهولة سحبها وتسييلها ، وهذا سيوفر مبلغا لا يقل عن خمسة مليارات دولار للمصرف المركزي ، وسيضمن إستقرار سعر الصرف لشهور قادمة ، على سعر 1750 ليرة ، وبالتوازي أيضا تبدأ الهيكلة بدعوة شركات التصنيف الدولية لتقييم المؤسسات المنتجة للدولة وتحويلها إلى شركات تملك حق الإستثمار لحقوق الدولة لمدة زمنية تتغير حسب طبيعة كل قطاع ، من الإتصالات إلى الكهرباء والأملاك البحرية وشركة الميدل إيست والكازينو والمطار ومرفأي بيروت وطرابلس ومنشآت النفط ، وخط كركوك طرابلس النفطي وسواها ، وبعد التقييم لقيمها بمهل الإستثمار الممنوحة لها ، يتم إستبدال المصارف لما يعادل 25% من أسهم هذه الشركات بما يعادلها من سندات اليوروبوند التي تحلمها ، وهذا على الأرجح سيعادل قيمة السندات المقدرة بثلاثين مليار دولار ، لكنه سيتيح هيكلة وتطوير وترسمل هذه القطاعات ، وإنتقال المصارف ومعها الإقتصاد من الإقتصاد الريعي إلى الإقتصاد المنتج .
رفض المصارف سيضعها في مواجهة تنتهي بالطلب إلى مصرف لبنان إدارة مؤقتة لكل من يعرقل الحلول ، وتمنع حاكم مصرف لبنان سيضعه أمام خيار الإستقالة ، ونحن في وضع لم يعد أحد يستطيع إبتزاز لبنان وشعبه بذريعة ان قطاعا هو صمام أمان بات مفقودا ، أو أن مسؤولا هو بوليصة تأمين ثبت أنها بلا رصيد .