إلى حكومات العراق وسورية ولبنان نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
خلال أيام ستكون في العراق حكومة جديدة ، ولدت تحت ظلال قرار برلماني بإنهاء الوجود الأميركي العسكري في العراق ، وفي سورية حكومة تقع تحت عقوبات أميركية وأوروبية وحصار غربي شديد القسوة ، وفي لبنان حكومة جديدة ولدت بمقاطعة من القوى الحليفة لحكومات الغرب والخليج ، وتصلها كل يوم رسائل عنوانها عدم الإستعداد لإمداداها بالمال الذي تحتاجه لمواجهة خطر الإنهيار المالي ، والوضع الإقتصادي في كل من هذه الدول يعيش أسوأ ايامه ، فهل فكرت الحكومات المعنية أوستفكر في جذر الإختناق وعلاقته بتكريس واقع الفصل التعسفي بين جغرافياتها ، لإعتبارات سياسية غير سيادية ؟
ربما تكون الحكومة السورية الأشد إستقلالا ، والأعلى إيمانا فكريا وثقافيا بالتكامل بين الدول التي شكلت تاريخيا متحدا إقتصاديا وإجتماعيا طبيعيا ، لكنها ليست الأكثر مبادرة ، وإن كان للإنشغال بالعمل العسكري والأمني ، أو لتقدير الحسابات الرمادية للحكومات المتعاقبة على العراق ولبنان وتوقع عدم إستعداداها لتلبية الدعوة لبحث المشتركات الإقتصادية ، تفاديا لإغضاب بعض العرب والغرب ، دورا في تفسير عدم المبادرة ، فإن هذين العاملين إلى زوال ، والأمر يحتاج إلى مبادرة ، من سورية أو لبنان أو العراق ، لكن النظرة لما يمكن تحقيقه بالعودة لحياة خلقها الله وكرستها الطبيعة بين هذه الدول يشكل جوابا على أسئلة يبحث عنها المعنيون في غير مكان .
إذا بدأنا بحال العراق سنكتشف ببساطة أن العراق يحتاج إلى أمرين عاجلين لا يحتملان التأجيل ، يرتكزان على الحاجة لمنافذ بحرية على البحر المتوسط ، حيث أغلب مبيعات النفط العراقي أي أغلب الصادرات العراقية ، وحيث مصدر أغلب المستوردات العراقية ، وحيث الدورة التجارية تمر من البصرة نحو مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس لتصل إلى المتوسط ، فتستهلك وقتا ومالا يؤثران سلبا على الوضع الإقتصادي العراقي ، بينما تستطيع موانئ بانياس وطرطوس وطرابلس وبيروت، إذا ربطت بخطوط سكك حديدة حديثة مع بغداد ، وفعلت وطورت أنابيب النفط التي تربطها بمنابع النفط العراقية ، أن تحقق للعراق وفرا ماليا يقدره الخبراء بخمسة مليارات دولار سنويا ، وعائدات إضافية ، وتحسينا لقطاعات الخدمات ، وتوفيرا لسلع أرخص في الأسواق ، إذا اضفنا ما سينتج على جانب هذه الدورة من إنتاج لمشتقات نفطية يستوردها العراق ، ومن ربط حاجات العراقيين بخدمات مصرفية وصحية وتعليمية وسياحيية ومنتجات صناعية وزراعية متاحة بدرجة عالية من الجودة بين دمشق و بيروت ، ويعيق الإفادة منها غياب طرق النقل السريعة والآمنة والميسرة .
إذا إنتقلنا إلى سورية سنجد حاجاتها للمشتقات النفطية مصدرا رئيسيا لأزمتها الإقتصادية وهي متاحة بإمداد مصافيها وتطويرها بالنفط العراقي الخام ، لتأمين حاجات أسواقها ، وحاجتها لإنتاج الكهرباء ، وستعيد للعراق حاجته من المشتقات ، ومالا ناتجا عن بيع نفطه الخام والمشتقات الفائضة من المصافي ، وسنجد أن الساحل السوري سينتعش بفضل خط الترانزيت لحساب السوق العراقية بتشغيل وتفعيل مرفأي بانياس وطرطوس ، وأن قطاعات الزراعة والصناعة من حلب إلى درعا والساحل والوسط ستجد ضالتها في السوق العراقية الضخمة ، وأن المناطق السياحية في سورية ومدنها ومزاراتها الدينية وجامعاتها ومستشفياتها ستغص بالعراقيين ، والمطلوب تفعيل شبكات نقل متعددة وميسرة للركاب والبضائع والنفط والمشتقات ، بما يشبه ما يفعله الصينيون في مشروع الحزام والطريق ، الذي يشمل بلدان المتوسط ، العراق وسورية ولبنان ، والصين مهتمة بسورية وتربطها بها علاقة مميزة ، والصين وقعت مع العراق إتفاقيات بمئات مليارات الدولارات لمشاريع عملاقة يجب أن تتصدرها مشاريع التشبيك العراقية مع سورية ولبنان ، ومن بينها شبكات الربط الكهربائي أيضا ، خصوصا أن إيران المتصلة عبر العراق بجغرافيا هذه الدول المتوسطية جزء من المشروع الصيني العملاق وعلاقاتها بالصين أكثر من مميزة ، ولديها فوائض في المشتقات النفطية ، وفي إنتاج الكهرباء .
نصل إلى لبنان الواقف على رصيف الإنتظار والتسول ، بإنتظار أن يرأف بحاله الغرب وبعض العرب ، وهو كالبيد في الصحراء يقتلها الظما والماء فوق ظهرها محمول ، فهل يدرك المعنيون في لبنان حجم التحول التاريخي الذي يترتب على هذا التشبيك الإقتصادي ، ليس بتوفير العملات الصعبة التي تستنزف نصف موارد لبنان لتأمين المشتقات النفطية والكهرباء ، فقط ، بل بالحركة التي سيجلبها التشبيك بوسائل نقل سريعة لقطاع المصارف لحساب العراق ، وللصناعة والإستشفاء والتعليم ، والإستهلاك ، والطبقة الوسطى وما دونها في العراق ستجعل من سورية وجهتها ، والطبقة الوسطى وما فوق ستجعل من لبنان وجهة لها ، هذا دون أن نتحدث عن المنتوجات الزراعية ، وقد قال لي صديق عراقي أن قطارا يربط بغداد ببيروت بثلاثة ساعات ، سيعني أن رجل الأعمال العراقي ينطلق في السابعة صباحا من بغداد ليصل إلى مصرفه في بيروت في العاشرة ويعود في الرابعة من بيورت ليصل بغداد السابعة مساءً ، وقد تناول الغداء الذي يحب في مطاعم بيروت ، أو امضى ليلته في فنادفها وقرر التسوق والعودة في اليوم التالي ، وختم الصديق ضاحكا بالقول لا تنسوا إرسال خبزكم في القطارات يومها ، لأنه مهما أرسلتم من كميات ستنفد عند محطة القطار، ليقول إفتحوا افرانا وسيتكفل العراقيون بإستهلاك الخبز .
لا جواب منطقي يقول ان هذه المعطيات غير واقعية ، فقط الكلام في السياسة عن الإنتظار ، وإنتظار ماذا لا نعلم ، خصوصا أنه المعيب أن نسمع بأن دورة الأوكسجين الذي ينتشلنا من الإختناق المحتم ، لأننا إرتضينا أن نعيش في علب مغلقة ننتظر للخروج منها إذنا خارجيا ، فهل تنتظر الإطمئنان بأن الغرب وبعض العرب لن يغضبوا ، فلنتعظ مما فعله الفرنسيون يوم كانوا يحكموننا في لبنان وسورية ، وقد قسمونا وأقاموا لنا جيشين ومجلسي نواب وحكومتين ورئيسين وأعدوا لنا دستورين ، لكنهم حافظوا لنا على مصرف مركزي واحد وليرة واحدة ، وسواها من المصالح المشتركة التي أنشأوا لها مجلسا يحمل هذا الإسم "مجلس المصالح المشتركة " ، تخيلوا مثلا أن يتفق حكام المصارف المركزية في دولنا على تسعير أسبوعي للعملات الوطنية فيما بينها يتبعه قرار حكومي بإعتماد هذه العملات في التداول بين أسواقنا وناسنا وبضائعنا وخدماتنا ولنشكل مجلس للمصالح المشتركة بين لبنان وسورية والعراق يترأسه رؤساء الحكومات ويضم وزراء الطاقة والإقتصاد والمال وحكام المصارف المركزية ومعهم رؤساء غرف التجارة والصناعة والزراعة .
لم لا إذا كانت لنا إرادة وعندنا رؤية ، ولم نتحدث بعد عن عملية الإعمار في سورية ولا في العراق ؟