لماذا تدهورت العلاقات الروسية التركية ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
خلال الشهر الماضي كان كل شي يبدو مستقرا في العلاقات الروسية التركية ، فموسكو تنجح بترتيب أول لقاء رسمي علني على مستوى أمني رفيع بين سورية وتركيا جمع في موسكو ، اللواء علي مملوك رئيس مجلس الأمن الوطني في سورية مع الجنرال حقان فيدان رئيس المخابرات التركية ، تم خلاله التوصل لتفاهم على خارطة تضمن فتح الطريقين الدولين بين حلب ودمشق وحلب واللاذقية بتنسيق تركي روسي سوري أمني وعسكري ينهي دور الجماعات الإرهابية شمال سورية ، وكانت تركيا بعد تموضعها في لبييا تفتح الباب لرعاية روسية تركية لدعوة رئيس الحكومة المدعومة من تركيا فايز السراج وقائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر إلى موسكو لحوار من أجل وقف الحرب .
التدهور الحاصل اليوم في العلاقات التركية الروسية ، والذي بلغ حافة الحرب ، بعدما لعب الرئيس التركي أوراق ضغط في ساحات محرمة ، كزيارته لأوكرانيا وما رافقها من كلام تلويحا بالإنقلاب على علاقته بروسيا ، أو إعادة تشغيل خط معلن لتعاون تركي أميركي في سوريا بعد طول إنقطاع ، وبالمقابل إنتقال روسيا من حصر غاراتها الجوية بالجماعات المسلحة المدعومة من تركيا إلى قصف مؤلم يستهدف القوات التركية مباشرة داخل الأراضي السورية ، وحديث روسي علني بلغة التحذير عن الدعم الكامل للجيش السوري في حال تعرضه لأي إستهداف تركي ، إشارات تعني أن العلاقة تدهورت إلى ما يوازي لحظة إسقاط أردوغان للطائرة الروسية عام 2015 .
تقول مصادر روسية أن الرئيس التركي رجب أردوغان ، تلاعب بالتفاهمات التي تمت بينه وبين الرئيس الروسي فلايديمير بوتين حول سورية وليبيا ، وقام بتحويلها إلى أوراق إعتماد لإستدراج عروض أميركية اوروبية حول سورية وليبيا طمعا بالمزيد ، وقد تلاعب به الأميركيون فتورط في إرتكاب خطأ لا يغتفر ، وهو المراوغة والخداع وواللعب من وراء ظهر الرئيس بوتين ، وبعدما كان أردوغان قد حصل من الرئيس الروسي على ضمان الحفاظ على دور تركي في العملية السياسية في كل من سورية وليبيا ، شرط إلتزام حدود الدور العسكري بالحد الأدنى في ليبيا لزوم هذا الدور ، والإستعداد للعودة إلى إتفاق أضنة تحت سقف سيادة الدولة ، بالنسبة لسورية ، حصل على إغراء أميركي للإنقلاب على التفاهم ، وإستعمال الوقت لنقل الالاف من المقاتلين السوريين إلى ليبيا ، وتسليم مواقعهم لجبهة النصرة ، التي يفترض إخراجها من مناطق سيطرتها وليس توسيع هذه المناطق ، والوعود الأميركية هي تقديم الدعم لتشكيل إطار دولي إقليمي للحل السياسي في سورية وليبيا ، يكون لتركيا كلمة حاسمة فيه ، وما يستدعيه ذلك من إسقاط صيغة أستانة بالسبة لسورية ، وهذا مطلوب من أردوغان ، وضمان نقل القضيتين السورية والليبية إلى مجلس الأمن ، وهذا ما ستفعله أميركا وأوروبا عندما يؤدي أردوغان ما عليه .
جاء الرد الروسي السوري الإستباقي بالعملية العسكرية في محافظتي إدلب وحلب ليجهض كل ألاعيب أردوغان ، ويضعه مرة أخرى بين خيارين لا ثالث لهما ، التموضع في قلب مسار استانة والرعاية الروسية والتاقلم مع خسارة الرهان على التلاعب بالجغرافيا السورية ، والعودة للإنضباط بالتفاهمات بخصوص ليبيا ، أو البديل الثاني وهو التموضع مع الجماعات الإرهابية وخوض الحرب بجانبها أو بالنيابة عنها ، وهذا سيعني تموضعا روسيا حاسما في ليبيا إلى جانب الجنرال حفتر وتقديم كل الدعم اللازم لتقدمه العسكري ، ومواصلة شرسة للمواجهة في سورية دون أي مراعاة للوضعية التركية ، وجعل أردوغان الخاسر الأكبر في الحربين .
مشروع أردوغان للقمة الرباعية التي تضمه مع الرئيس بوتين والرئيس الفرنسي والمسستشارة الألمانية مواصلة للعبة المراوغة ، بينما تجاهله لدعوة إيران لقمة ثلاثية روسية تركية إيرانية في طهران ضمن مسار أستانة ، إعلان إستمرار في اللعب على حافة الهاوية ، ولذلك سيستمر العقاب حتى يعود أردوغان إلى بيت الطاعة الروسي في سوتشي ، أو يدفع الثمن الأكبر ، بعدما تكشفت له الوعود الأميركية أنها مجرد أوراق مخادعة ، فقد ترك وحيدا كما حصل معه من قبل مرتين ، مرة بعد إسقاط الطائرة الروسية ومرة بعد بدء معركة حلب الأولى ، ولم يحصل من واشنطن غلا على الكلام والبيانات ، عساه يؤخر نهاية الجماعات الإرهابية فتشتري واشنطن الوقت بواسطته لترتيب إنسحاب هادئ بلا هزيمة مدوية ، من شرق سورية .