هل تجرؤ فرنسا في لبنان ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
القضية لا ترتبط بخصوصية لبنانية فرنسية وحسب ، فالكلام الذي قاله وزير المالية الفرنسية في الرياض خلال اجتماع وزراء مالية دول قمة العشرين ، التي تترأسها السعودية هذا العام وتنعقد في تشرين الثاني المقبل ، يتخطى الإعلان عن نية حكومة فرنسا مد يد المساعدة ماليا للبنان ، ليكرر منهجيا الموقف الفرنسي من الاتفاق النووي مع إيران ، الذي دعت فرنسا إلى الفصل بينه وبين المواجهة الأميركية مع إيران ، وتبنت موقفا يقول أن الربط بين الاتفاق والمواجهة مع إيران يؤدي لنتائج عكسية ، حيث المخاطرة بسقوط الاتفاق ستعني مزيدا من الفوضى في الشرق الأوسط ، وستدفع بإيران إلى الذهاب نحو خيارات نووية وإقليمية يترتب عليها خلق وقائع جديدة يصعب التراجع عنها ، ودعت لحماية الاتفاق من السقوط ، وخوض حوار متعدد وجدي مع إيران حول القضايا الخلافية ، وهو عمليا ذات الموقف الذي قاله وزير المالية الفرنسية تجاه لبنان ، بالفصل بين مساعدته ماليا وبين المواجهة الأميركية مع إيران .
الموقف الفرنسي ينهي الجدل حول حقيقة الموقف الأميركي وإستطرادا الموقف الخليجي المتموضع وراء واشنطن ، تحت عنوان المواجهة مع إيران ، فيكشف أن النظرة الأميركية وإستطرادا الخليجية من الوضع المالي للبنان ، ليس بالإحجام عن المساعدة فقط ، بل في التسبب بتعميق الأزمة ورفع نسبة الضغوط التي أنتجت تفاقمها ، بإعتبار ذلك يحسن موقع واشنطن في المواجهة مع إيران ، بينما تدعو فرنسا للفصل بين الملفين ، على طريقة دعوتها لفصل الملف النووي الإيراني عن حسابات المواجهة ، من دون أن تشرح فرنسا موقفها ، بأن ما سينجم عن الربط بين الملفين سيكون سلبيا على المواجهة نفسها وعلى المصالح الغربية في لبنان ، وعلى التوازنات التي ستحكمه إذا تواصلت الضغوط وأقفلت الأبواب وتم سلوك خيارات راديكالية إقتصاديا وسياسيا ، تأخذ لبنان إلى مكان سبق وتولى السفير الأميركي السابق جيفيري فيلتمان شرحه بإسهاب أمام الكونغرس الأميركي .
السؤال الذي طرحه مصير الاتفاق النووي ، رغم الموقف الفرنسي والأوروبي التحذيري ، يتصل بقدرة فرنسا على الإستقلال العملي في توفير الحماية لترجمة أقوالها أفعالا ، وهي في تجربة الاتفاق النووي فشلت في فتح طريق أوروبي مستقل يؤدي موجباته من الاتفاق مع إيران ، فيوفر حمايته من السقوط ، ويفتح حوارا مع إيران على القضايا التي تثيرها واشنطن ، وربما يتمكن بهذا الإحتواء المزدوج من تحقيق تقدم ، فشلت واشنطن بتحقيقه عبر الربط الذي أصرت عليه بين الاتفاق النووي والمواجهة مع إيران ، لكن الحصيلة جاءت تقول بإنضباط فرنسا وراء السلوك العملي الأميركي ، وعدم التجرؤ على التمرد على سياسة العقوبات ، فهل نحن امام مجرد موقف مبدئي فرنسي تجاه لبنان يشابه النتيجة التي بلغها الموقف الفرنسي تجاه الاتفاق النووي ؟
يجيب الفرنسيون الذين يسألونهم هذا السؤال بالقول ، أنهم أولا رغم كل التصعيد المحيط بالعلاقات الأميركية الإيرانية من جهة ، ورغم تعثر محاولات الدفع نحو آليات إقتصادية ومالية أوروبية تتفادى العقوبات الأميركية مع إيران من جهة موازية ، فإن الاتفاق النووي لم يسقط وبقي على قيد الحياة ، ولا تزال فرص إنقاذه متاحة مع كل طريق مسدود يبلغه التصعيد ، يقنع الأميركيين بعدم جدوى مواصلة الربط ، ويقنع الإيرانيين بعدم مجاراة الأميركيين بإقامة ربط مماثل ، ثم يقول الفرنسيون ، أن لبنان ليس إيران سواء بالنسبة لفرنسا أو لأميركا ودول الخليج ، فالعلاقة الفرنسية اللبنانية لها خصوصية لا تتيح إعتبار الموقف الفرنسي من أوضاعه شبيها بحدود الشراكة الفرنسية في العلاقة بالإتفاق النووي مع إيران ، ولبنان هو الدولة التي تشكل بنظر الأميركيين ساحة إشتباك ، وليس جهة الإشتباك المقصودة ، بينما لا تملك فرنسا فرصة الدعوة لتقديم نموذج على الفصل بين الملفات الذي تدعو إليه بعد تعقيدات الأخذ برأيها بخصوص الاتفاق النووي ، إلا إصرارها على تحييد لبنان عن سياسات الربط ، التي لم تجلب سوى المزيد من التصعيد والتعقيد .
يؤكد الفرنسيون أنهم لن يكتفوا بالأقوال تجاه لبنان ، وأن هذا معنى كلام وزير ماليتهم عن الإستعداد لتقديم الدعم ثنائيا أو ضمن أطر متعددة الأطراف ، ويضيفون انهم سيترجمون موقفهم هذا ، ويراهنون على إنضمام دول الخليج إليهم ولو بغض نظر أميركي ، رغم رهانهم على إقتناع الأميركيين بما سبق وقاله فيلتمان ، لجهة عدم وضع لبنان أمام الجدار ، والسؤال لاحقا لماذا تحول لبنان إلى خيارات مناهضة للغرب والخليج ؟