الوضع الداخلي التركي والأميركي يشجع روسيا وإيران نقاط على الحروف ناصر قنديل
ناصر قنديل
يستعين كل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس التركي رجب أردوغان بالآخر لتعديل التوازنات والتهرب من الإستحقاقات ، لكن لا يبدو ان أحدا منهما مستعد لدفع فاتورة المواجهة اللازمة لتحقيق ذلك ، فتحل المناورات والإستعراضات مكان المواجهات الفعلية ، وتتحول كل الخطط العسكرية والسياسية على محاولات لشراء الوقت ، فالرجلين يواجهان إستحقاقاإنتخابيا غير مطمئن ، فإذا كان العالم قد إتشغل عن نتائج الانتخابات المحلية في اميركا وتركيا فإن ذائقة الهزيمة فيهما لا تزال في فم الرجلين المعنيين بالإنتخابات الرئاسية القادمة في موعدها أميركيا بعد شهور ، والمرجحة في تركيا قبل موعدها المقرر بعد ثلاث سنوات ، فالمعارضة التركية إستعادت عافيتها منذ فوزها ببلدية إسطمبول في الصيف الماضي ، والحزب الجمهوري قلق من مؤشرات فوز الديمقراطيين في الخريف الماضي بولايات فرجينيا وكنتاكي المعروفتين بولائهما التقليدي للجمهوريين .
تحضر الأوضاع التركية والأميركية الداخلية في حسابات الرئيسين الواقعين تحت ضغط إستحقاقاتداهمة في المواجهات القريبة ، كما تحضر في قراءة الخصوم ، وفي مقدمتهم روسيا وإيران ، حيث يجدد النظامان قوتهما ومتانة سيطرتهما على أوضاع الدولتين المحوريتين في رسم مسار المواجهات منذ تحولت الحرب التي تعاونت خلالها واشنطن وأنقرة لإسقاط سورية ، إلى نقطة بداية لتعاون نوعي روسي إيراني ، نجح في قلب الموازين وإسترداد زمام المبادرة في رسم الخرائط في المنطقة التي يقول الأميركيون بجناحيهما الديمقراطي والجمهوري ، أنها تقرر مصير القوة والزعامة الأميركتين .
خلافا لما كانت تقوله حالة التماسك الأميركي من الخارج وراء زعامة ترامب ، وتقوله الحالة التركية الموازية ، تبدو الحيوية السياسية للمجتمعين الأميركي والتركي في ذروتها لوضع سياسات الرجلين الطائشين المتهورين ، على المشرحة وتحملهما النخب الشابة الحاضرة لتظهير متغيرات مفاجئة في الخطاب السياسي ، مسؤولية تراجع صورة البلدين ، وهبوط مستواها القيمي ، وتبدو قضايا كانت من محرمات النقاش ، كالعلاقة الأميركية الإسرائيلية ، والعلاقة التركية بالأخوان المسلمين ، وقد صارت في صدارة قضايا النقاش الوطني في البلدين ، وتخرج أصوات تعتبر هاتين العلاقتين مصدرا للعار اللاحق بالدولتين ، وسببا للكثير من تراجعاتهما ، ويلقى هذا الخطاب بصورة ملفتة ومغايرة للتوقعات الكثير من الإعجاب ، فوسائل التواصل الاجتماعي التي كسرت إحتكار الإعلام وكانت ساحة إنتاج الفوضى في الشرق الأوسط ، فعلت شيئا مشابها في أميركا وتركيا بفتح الباب لتغييرات نوعية في أسلوب وزوايا النظر للكثير من القضايا ، وإخراجها من كونها مسلمات .
عندما يقف زعيم المعارضة التركية كمال قلجيداراوغلو على منبر البرلمان التركي مفندا سياسات أردوغان كترجمة لربط مصير تركيا بمصير حزب إجرامي هو الأخوان المسلمين ، كما يصفه ، ويعتبرحروب أروغان حروبا بالوكالة لحساب الأخوان على حساب تركيا ، ويفعل برني سيندرز المرشح الديمقراطي الذي يحصد تأييد الولايات ويتفوق على منافسيه الشيئ نفسه ، متهما ترامب بخوض معار كبنيامين نتنياهو مسخرا أميركا ومكانتها الأخلاقية لهذا الغرض ، وتخرج إتسطلاعات الرأي الرصينة لتمنح كلا من أردوغان وترامب أقل من 40% من تأييد مواطنيه لسياساته الخارجية ، وعندما تقول الإستطلاعات ذاتها أن السياسات الاقتصادية لأردوغان باءت بالفشل في إنعاش الإقتصاد ، بينما يفسر أغلب مؤيدي سيندرز تأييدهم له بخطته الاجتماعية التي يصفها خصومه بالإشتراكية ، يصير توقع المفاجآت ضرورة علمية .
تتابع موسكو وطهران عن كثب المناخات الداخلية الأميركية والتركية ، وتراها سببا لتفسير الإرتباك في سياسات الرئيسين وتهورهما ، لكن بالوقت نفسه شعورهما بالعجز عن خوض مواجهات كبرى ، فيبدو الحزم الروسي في سورية والعزم الإيراني في المنطقة ترجمة لهذه القراءة ، وثقة بأن حبل نجاة أردوغان داخل تركيا بات روسيا ، وحبل نجاة ترامب داخل أيمركا بات إيرانيا .