الأسد وأردوغان ...والفخ الإستراتيجي نقاط على الحروف ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • لطالما فرح الرئيس التركي رجب أردوغان وتبادل أنخاب النصر مع أركان حكمه ، لدى تلقي الأنباء عن تقدم الجماعات المسلحة في الجغرافيا السورية ، سواء كانت جماعات الأخوان المسلمين أو تنظيم القاعدة أو تنظيم داعش ، فما ليس صناعة تركية منها يسلم بالمرجعية التركية ، ومن لا يسلم بهذه المرجعية له مصالح عضوية مع تركيا ، ومن ليست له مصالح عضوية مع تركيا له مصالح حيوية أو ظرفية تتيح لتركيا التصرف كضابط إيقاع لحرب السيطرة على سورية ، فهي ليست ضابط الإيقاع الداخلي فقط ، بل ضابط الإيقاع الخارجي أيضا ، حيث الدول المنخرطة في هذه الحرب من أميركا إلى دول الناتو وصولا لإسرائيل ودول الخليج ، والدول العربية التي تسلم الأخوان الحكم فيها كمصر وتونس ، ترتضي لتركيا هذا الدور ، عن قناعة أو مصلحة أو تسليم بالتوازنات الدولية المحيطة بتفويض تركيا إدارة الحرب ، وأردوغان الذي عاش أحلام السلطنة ورفع شعار العثمانية الجديدة ، نظر منذ اليوم الأول لحرب السيطرة على سورية بصفتها حرب السلطنة والعثمانية الجديدة معا ، أي حربه كشخص ومعبر لمشروعه الذي باعه للأتراك واعدا إياهم بإستعادة أمجاد وعظمة الماضي الإستعماري الإمبراطوري ، محولا حزب الأخوان في العالم إلى مجلس قيادة لهذا المشروع ، الذي نظرت إليه واشنطن بديمقراطييهاوجمهورييها ، كمشروع يوزاي في بعده الإستراتيجي في آسيا ما مثله مشروع الإتحاد الأوروبي في أوروبا شرقها وغربها في التسعينات ، وبعدما تعثر المشروع الأصلي لفرض الهيمنة عبر حربي العراق وأفغانستان ، لتكتمل بثنائية الإتحاد الأوروبي والعثمانية الجديدة ميمنة وميسرة زعامة القرن الواحد والعشرين في فرض الهيمنة الأميركية على العالم .
  • خلال سنوات الحرب الأولى كان الكثير من محبي سورية يتساءلون عن سبب التروي الذي يطبع سياسات الرئيس السوري بشار الأسد في اللجوء إلى القوة العسكرية ، ومنحه الكثير من الفرص للحلول السياسية والإصلاحات الدستورية ، رغم كلامه الواضح عن حرب ومؤامرة ومحورية دور الجماعات الإرهابية فيما سمي ب"الثورة السورية" ، كما كان الكثيرون يتساءلون حول ما إذا كان الإنفتاح السوري على تركيا قبل الحرب كان فخا إستراتيجيا نصبه الرئيس التركي للرئيس السوري ، تمهيدا للحرب المضمرة ، لضرب المناعات السورية بوجه تركيا وتوفير الفرص للتغلغل في البيئات السورية المختلفة ، وكان الجواب على السؤالين هو ، فلننتظر النهايات وعندها يظهر الكمين الإستراتيجي ومن وقع فيه ، ويضحك كثيرا من يضحك أخيرا .
  • الصمود والصبر شكلا سمة تعامل الرئيس السوري وقيادته وجيشه مع الهجمات الشرسة والقاسية التي تعرضت لها سورية خلال سنوات 2011 – 2015 ، والهدف أخذ يتوضح بالتدريج ، وهو خلق القناعة لدى أغلبية كافية من الشعب السوري بأن ما يراه أمامه ليس ثورة ولا حركة إصلاحية بل مشروع إرهابي موجه من الخارج لإسقاط سورية الوطن والدولة وليس تغيير شكل السلطة فيها ، وصولا لتفتيت سورية وتغيير موقعها وتدمير مكانتها وعمرانها وتاريخها ووحدتها ، وبالتوازي خلق القناعة واليقين لدى حلفاء مستهدفون مثل سورية عبر الحرب عليها ، وفي طليعتهم قوى المقاومة وعلى رأسها حزب الله ومن خلفه إيران ، بأن الحرب على سورية هي حرب إسرائيل تخاض بالوكالة عبر تركيا ، وهي حرب تغيير موقع سورية كعمق إستراتيجي لحركات المقاومة ، لتشكيل بيئة أخوانية تحيط بفلسطين تحكم مصر وسورية والأردن وتتحكم بفلسطين ، تلتزم ما ظهر انه سياسة الأخوان تجاه الاحتلال مع حكمهم لمصر ، لكن الرئيس السوري وهو يخوض غمار هاتين المعركتين السياسيتين ، ويمنحهما كل الاهتمام ويرصد تطور مواقف شرائح الشعب السوري والحلفاء في قوى المقاومة وإيران ، ودرجة تطورها بقياس هذا التقدير لماهية الحرب ووظائفها ، ويقدم في سبيل الفوز بهاتين المعركتين على المبادرة تلو الأخرى لتظهير جوهر أهداف الحرب ، وعدم وجود فرص لتلافيها بتقديم الإصلاحات والمبادرات السياسية ، كان أمامه سؤال إستراتيجي حول نضوج روسيا لموقف يقرأ الحرب كإستهداف لأمنها ، و قطعا للطريق على دورها المتطلع للنمو ، ومنعا لها من الوصول إلى البحر المتوسط ، وعزلها وراء المضائق التركية ، ومحاصرتها بدول تحكمها العثمانية الجديدة ، إذا قيض لها الفوز بسورية ؟
  • في مرات كثيرة كان بعض من في القيادة في سورية يستغرب قبول الرئيس الأسد للإستجابة لمبادرات تطلبها موسكو ، ويرون فيها تنازلات غير مبررة ، سواء في السياسة تحت شعار الحلول السياسية ، أو في الميدان تحت شعار وقف نار أو عفو عن مسلحين ، أو هدنة يدركون أن الجماعات المسلحة ستستثمرها لترتيب أمورها والعودة للقتال من مواقع أفضل ، وكانوا يكتشفون لاحقا أن الهدف كان السير على إيقاع البطء الروسي في صياغة الإستنتاجات، وفهم سياق الأحداث ، لأنه إذا كانت  الحرب التي شنت للسيطرة على سورية تكاد تكون حربا تركية ، فإن النصر في هذه الحرب سيتقرر بالجواب على السؤال أين تقف روسيا منها ، وبمثل ما كان الرئيس الأسد يدرك أن شل التفكير الأميركي بالتورط بالحرب سيتكفل به حضور وجهوزية سورية وقوى المقاومة وإيران لجعل كل مواجهة مع أميركا تهديدا لأمن إسرائيل ووجودها ، كان واضحا لديه أن نهاية الأطماع التركية تتوقف على مدى وضوح حتمية تحولها إلى مشروع مواجهة مع روسيا ، وعلى هذه الثنائية بنيت الإستراتيجية التي خاض الأسد صموده وصبره بإنتظار تبلورها ، وبني السعي لتحقيق النصر على ضبط الإيقاع السياسي والعسكري بما يساعد في إنضاج شروطها .
  • خلال معارك حلب ومن بعدها الجنوب السوري ، وبينهما الغوطة ودير الزور ، كانت تتحقق معادلات الأسد وتتبلور بوضوح ، لكن الأكيد كان أن معركة إدلب ستبقى مختلفة ، وستكون هي الفاصلة ، ولذلك بنيت خطط تحرير إدلب وحساباتها ، وتوقيتها والموقف من المبادرات السياسية بخصوصها على السعي السوري للتطابق مع الحسابات الروسية والتوقيت الروسي والقراءة الروسية والمهل الروسية ، حتى جاءت ساعة الصفر وصارعلى أردوغان أن يقرر ويختار بين مواجهة مباشرة مع روسيا ، بينما الجيش السوري جاهز معنويا وعسكريا لخوض غمار مواجهة ترفعه لمقام الجيوش الأولى في العالم ، أو بين أن يرتضي الهزيمة لمشروعه وهو يدرك أنها نهايته السياسية ، ومهما كان خيار أردوغان فهو اليوم يتلمس أن لا ناتو ولا سواه جاهز للقتال لأن الحرب لم تعد حرب أحد سواه ، وأن الشعب والجيش في تركيا لا يرون  سببا للتورط في مواجهة مكلفة بلا قضية ، وأن الجيش والشعب في سورية يتوقان لهذه الحرب مع إدراك ما فيها من تضحيات ، وأن روسيا سئمت المراوغة والأكاذيب والتذاكي واللعب على الحبال والتلاعب بالكلام والتفاهمات ، وأن ساعة الحقيقة قد حانت .
  • كمين إستراتيجي ، من نصبه  لمن ؟

2020-02-29 | عدد القراءات 156579