هزيمة أردوغان العثماني...وصعوبة التسويات نقاط على الحروف ناصر قنديل

هزيمة أردوغان العثماني...وصعوبة التسويات

نقاط على الحروف

ناصر قنديل

ناصر قنديل

  • قد يصعب على الكثيرين إستيعاب حقيقة أن الجيش الثاني في حلف الناتو قد مني بهزيمة هي الأسرع التي يمكن أن يتلقاها جيش مثله ، في ظروف حشد لها كل مقدراته السياسية والعسكرية ، وشحذ لها كل التعبئة الداخلية والخارجية ، فخلال الأيام التي أعقبت دخول الجيش السوري إلى الريف الغربي والشمالي لحلب منتصف شهر شباط الماضي ، بدأ التحضير للحملة العسكرية التي أعلن الرئيس التركي رجب أردوغان عن موعدها مسبقا في نهاية شهر شباط ، وحدد لها هدفا هو إعادة الجيش السوري إلى خلف نقاط المراقبة التركية ، قاصدا بالتحديد تراجع الجيش السوري من مدينتي سراقب ومعرة النعمان ، وفرض هذا التراجع بالقوة كشرط لوقف الحملة .
  • خلال خمسة عشر يوما إستنفر أردوغان كل وحوش جبهة النصرة والتركستان والشيشان والإيغور وقام بضمهم إلى نخبة كوماندوس جيشه ، وأدخل مئات الاليات وآلاف العناصر إلى منطقة المعركة ، وجهز طائراته المسيرة الحديثة من الجيل الخامس ، وربض مدافعه وجدد إحداثياتها ، ووظف سقوط قتلاه بالقصف السوري في منطقة جسر الشغور لإستنهاض الروح القومية حول الجيش ، لخلق حالة تعبوية داخلية تحاصر كل صوت معارض للحرب ، وخاطب حلف الناتو طلبا للدعم ، ورفع وتيرة مواقفه السياسية تجاه دعوة روسيا للحياد منعا للتصادم ، وجهز مخابراته لإستعمال قضية النازحين للضغط على أوروبا ، وعندما بدأت العملية العسكرية نحو سراقب كانت طائراته ومدفعيته تنجحان بإستهداف وإصابة عشرات المواقع للجيش السوري وقوى المقاومة ، بما فيها المنشآت الصحية ، موقعا عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، قامت في ظلالها وحداته المستعدة بالتقدم نحو مدينة سراقب ، وإرتكاب مجازر وحشية بحق المقاتلين الذي وقعوا في الأسر ، والتمثيل بجثث الذين سقطوا شهداء وتعرضوا لأبشع أنواع التنكيل .
  • خلال ليلة واحدة بدات العملية المعاكسة لإسترداد سراقب و إمتدت من بعيد منتصف الليل بقليل حتى ساعات الفجر ، وخلال أربع ساعات فقط هزم الجيش العثماني ، المكون من الجيش التركي كنواة ، ومن ملحقات من جنسيات مختلفة من عتاة القتلة الإرهابيين ، وفشلت التغطية النارية بتأمين القتال التراجعي فكان الإنسحاب العشوائي وما فيه من خسائر ، ومع الصباح كانت وحدات الجيش السوري وحلفائه في المقاومة تتوضع في كل أحياء وأنحاء سراقب ، ومن دون إستراحة محارب تواصل هجومها نحو النيرب ، لتأمين إعادة فتح الطريق الدولي ، وسط تراجع متواصل إنهزاميا للجيش العثماني ، بينما على جبهات الطريق الدولي بين حلب واللاذقية يحصد الجيش السوري مزيدا من الإنتصارات ، مستعيدا ما كان قد خسره مع الهجوم العثماني الموازي ، مستكملا ما كان في خطته قبل ساعة الصفر العثمانية .
  • ما جرى ليس عاديا ولا بسيطا ولا تكتيكيا ، إنه إنتصار الدولة الوطنية السورية ، ومشروع المقاومة على مشروع مزدوج ، قطبه الأول أميركي يريد ترك الفوضى وراءه بعد الانسحاب بفتح الباب لقتال لا يتوقف بين ما يعتقده مشروعين إمبراطوريين إيراني وتركي لتغيير خرائط سايكس بيكو ، وإستبدالها بتقاسم نفوذ يعيد أمجاد الإمبراطوريتين ويطبق خرائط برنارد لويس البديلة القائمة على ثنائية مذهبية ، وقطبه الثاني تركي عثماني يراهن على الخاصرة الرخوة في مناطق التجاذب الأميركي الروسي لوضع اليد عليها ، وتوسيع نطاقه الجغرافي ترجمة لحلم تاريخي فاتت فرصته قبل قرن مضى مع سقوط الإمبراطورية العثمانية وعجزها عن سلخ المزيد من جغرافيا سورية والعراق .
  • فات أصحاب المشروعين الأميركي والتركي ، أن تفوق إيران في المنطقة ناجم عن فارقين يميزانها عن المشروع التركي ، الأول أنها لا تملك مشروعا لتوسيع النفوذ الإيراني بل مشروعا لمحور مقاومة يضم حلفاء يؤمنون بأولوية المواجهة مع المشروع الصهيوني في المنطقة ، لا يزال التركي يرفض الإنضواء ضمنه ، وهذه الأولوية تجعل الحلفاء حلفاء فعلا ، لا مجرد أتباع لمشروع إستعماري جديد ، والثاني أن إيران تستثمر لتعزيز محور المقاومة على دعم مشروع الدولة الوطنية في البلدان التي تدور فيها وحولها الحروب ، من لبنان إلى اليمن والعراق وصولا إلى سورية ، التي تجد فيها النموذج الأهم لترجمة هذا المفهوم ، ولأن في سورية مشروعا حاضرا وقويا للدولة الوطنية ، يحظى بدعم شعبه ويمتلك جيشا مقتدرا ، فإن نوعا جديدا من الحروب يدور اليوم عنوانه بالنسبة للحلفاء الروس والإيرانيين ، دعم الدولة الوطنية السورية ، لذلك يتفوق المقاتلون في محور المقاومة بمعنوياتهم وصدق قضيتهم على من ظن الأميركي والتركي أنهم أقدر على تحقيق النصر .
  • نصر سراقب يقول أن لا قضية تستحق بالنسبة للتركي ليموت من أجلها في سورية ، وأن من يقاتلون مع الجيش التركي في الجيش العثماني يعرفون انهم عملاء بلا قضية ، بينما يستبسل السوريون في الدفاع عن وطنهم وأرضهم ودولتهم الوطنية ، ويستشهد مقاتلو المقاومة دفاعا عن محور يعلمون يقينا أنه ضمانة ميزان رادع لإسرائيل وركيزة إسناد للمقاومة في فلسطين ، تشكل سورية قلعته الرئيسية على خط الإشتباك مع كيان الاحتلال ، ونقطة الوصل بين أطرافه ، وتقع المواجهة مع الجيش العثماني في قلب أهدافه لحماية هذه القلعة وإسقاط الرهانات الإسرائيلية  على إرباكها .
  • التسوية تزداد صعوبة بالنسبة لأردوغان بعد الهزيمة ، وصعوبة تحقيق نصر جديد مع إنهيارات  تصيب بنية جيشه العثماني المنهزم أمام تقدم الجيش السوري وحلفائه رغم ضراوة النيران ، وسيصبح الحديث عن تسوية ممكنا إذا إرتضى أردوغان التسليم بعنوان هو الدولة الوطنية السورية ، تخضع له سائر العناوين ، وهذا ما ينتظره في موسكو قبل وبعد الهزيمة ، وسيبقى !

2020-03-03 | عدد القراءات 18291